معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

{ واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً } نسختها آية القتال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالصبر الجميل ، على أذى قومه فقال : { واصبر على مَا يَقُولُونَ واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً . . . } .

أى : اجعل يا محمد اعتمادك وتوكلك على وحدى ، واصبر على ما يقوله أعداؤك فى حقك من أكاذيب وخرافات . . واهجرهم هجرا جميلا ، أى : واعتزلهم وابتعد عنهم ، وقاطعهم مقاطعة حسنة ، بحيث لا تقابل السيئة يمثلها ، ولا تزد على هجرهم : بأن تسبهم ، أو ترميهم بالقبيح من القول . .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : والمعنى أنك لما اتخذتنى وكيلا فاصبر على ما يقولون ، وفوض أمرهم إلى ، فإنى لما كنت وكيلا لك أقوم بإصلاح أمرك ، أحسن من قيامك بإصلاح نفسك .

واعلم أن مهمات العباد محصورة فى أمرين : فى كيفية معاملتهم مع الله ، وقد ذكر - سبحانه - ذلك فى الآيات السابقة ، وفى كيفية معاملتهم مع الخلق ، وقد جمع - سبحانه - كل ما يحتاج إليه فى هذا الباب فى هاتين الكلمتين ، وذلك لأن الإِنسان إما أن يكون مخالطا للناس ، أو مجانبا لهم .

فإن كان مخالطا لهم فعليه أن يصبر على إيذائهم . . وإما أن يكون مجانبا لهم ، فعليه أن يهجرهم هجرا جميلا . . بأن يجانبهم بقلبه وهواه ، ويخالفهم فى أفعالهم ، مع المداراة والإِغضاء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

ثم وجه الله الرسول إلى الصبر الجميل على ما يلقاه من قومه من الاتهام والإعراض والصد والتعطيل . وأن يخلي بينه وبين المكذبين ! ويمهلهم قليلا . فإن لدى الله لهم عذابا وتنكيلا :

واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا . وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا . إن لدينا أنكالا وجحيما . وطعاما ذا غصة وعذابا أليما . يوم ترتجف الأرض والجبال ، وكانت الجبال كثيبا مهيلا . . إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا . فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ، السماء منفطر به كان وعده مفعولا . .

وإذا صحت الرواية الأولى عن نزول مطلع هذه السورة في بدء البعثة ، فإن هذا الشوط الثاني منها يكون قد نزل متأخرا بعد الجهر بالدعوة ، وظهور المكذبين والمتطاولين ، وشدتهم على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى المؤمنين . فأما إذا صحت الرواية الثانية فإن شطر السورة الأول كله يكون قد نزل بمناسبة ما نال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من أذى المشركين وصدهم عن الدعوة .

وعلى أية حال فإننا نجد التوجيه إلى الصبر ، بعد التوجيه إلى القيام والذكر ، وهما كثيرا ما يقترنان في صدد تزويد القلب بزاد هذه الدعوة في طريقها الشاق الطويل ، سواء طريقها في مسارب الضمير أو طريقها في جهاد المناوئين ، وكلاهما شاق عسير . . نجد التوجيه إلى الصبر . ( واصبر على ما يقولون )مما يغيظ ويحنق ، ( واهجرهم هجرا جميلا ) . . لا عتاب معه ولا غضب ، ولا هجر فيه ولا مشادة . وكانت هذه هي خطة الدعوة في مكة - وبخاصة في أوائلها . . كانت مجرد خطاب للقلوب والضمائر ، ومجرد بلاغ هادئ ومجرد بيان منير .

والهجر الجميل مع التطاول والتكذيب ، يحتاج إلى الصبر بعد الذكر . والصبر هو الوصية من الله لكل رسول من رسله ، مرة ومرة ومرة ؛ ولعباده المؤمنين برسله . وما يمكن أن يقوم على هذه الدعوة أحد إلا والصبر زاده وعتاده ، والصبر جنته وسلاحه ، والصبر ملجؤه وملاذه . فهي جهاد . . جهاد مع النفس وشهواتها وانحرافاتها وضعفها وشرودها وعجلتها وقنوطها . . وجهاد مع أعداء الدعوة ووسائلهم وتدبيرهم وكيدهم وأذاهم . ومع النفوس عامة وهي تتفصى من تكاليف هذه الدعوة ، وتتفلت ، وتتخفى في أزياء كثيرة وهي تخالف عنها ولا تستقيم عليها . والداعية لا زاد له إلا الصبر أمام هذا كله ، والذكر وهو قرين الصبر في كل موضع تقريبا !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه ، وأن يهجرهم هجرًا جميلا وهو الذي لا عتاب معه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

وقوله : وَاصْبِرْ على ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرا جَمِيلاً يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك ، وعلى أذاهم ، واهجرهم في الله هجرا جميلاً . والهجر الجميل : هو الهجر في ذات الله ، كما قال عزّ وجلّ : وَإذَا رَأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ . . . الاَية ، وقيل : إن ذلك نُسخ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاصْبِرْ على ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهم هَجْرا جَمِيلاً براءة نسخت ما ههنا أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، لا يقبل منهم غيرها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا} (10)

عطف على قوله : { فاتخذه وكيلاً } [ المزمل : 9 ] ، والمناسبة أن الصبر على الأذى يستعان عليه بالتوكل على الله .

وضمير { يقولون } عائد إلى المشركين ، ولم يتقدم له معاد فهو من الضمائر التي استُغني عن ذكر معادها بأنه معلوم للسامعين كما تقدم غير مرة ، ومن ذلك عند قوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة } [ الجن : 16 ] الآيات من سورة { قل أوحى إليّ } [ الجن : 1 ] ، ولأنه سيأتي عقبه قوله { وذَرْني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] فيبين المراد من الضمير .

وقد مضى في السور التي نزلت قبل سورة المزمل مقالات أذى من المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففي سورة العلق ( 9 ، 10 ) { أرأيت الذي ينهَى عبداً إذا صلى } قيل هو أبو جهل تهدّد رسول الله لئن صلى في المسجد الحرام ليَفْعَلَنّ ويفعلَنّ . وفيها : { إِن الإِنسان ليطغى أن رءاه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] . قيل هو الأخنس بن شريق « تنكَّر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان حليفه » ، وفي سورة القلم ( 2 15 ) { ما أنت بنِعْمة ربّك بمجنون } إلى قوله : { فستبصر ويُبصرون بأيكم المفتون } ، وقوله : { ولا تطِع كلّ حلاّف مهين } إلى قوله : { قال أساطير الأولين } [ القلم : 15 ] ردّاً لمقالاتهم . وفي سورة المدثر ( 11 25 ) إن كانت نزلت قبل سورة المزمل { ذرني ومن خلقت وحيداً } إلى قوله : { إِنْ هذا إلاَّ قول البشر } ، قيل : قائل ذلك الوليد بن المغيرة . فلذلك أمر الله رسوله بالصبر على ما يقولون .

والهجر الجميل : هو الحسَن في نوعه ، فإن الأحوال والمعاني منها حسن ومنها قبيح في نوعه وقد يقال : كَريم ، وذميم ، وخالص ، وكدر ، ويَعْرِض الوصف للنوع بما من شأنه أن يقترن به من عوارض تناسب حقيقة النوع فإذا جُردت الحقيقة عن الأعراض التي قد تعتلق بها كان نوعها خالصاً ، وإذا ألصق بالحقيقة ما ليس من خصائصها كان النوع مكدّراً قبيحاً ، وقد أشار إلى هذا قوله تعالى : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى } [ البقرة : 264 ] ، وتقدم عند قوله تعالى : { إنيَ أُلقِيَ إليَّ كتاب كريم } في سورة النمل ( 29 ) ، ومن هذا المعنى قوله : { فصبر جميل } في سورة يوسف ( 18 ) ، وقوله فاصبر صبراً جميلاً في سورة المعارج ( 5 ) .

فالهجر الجميل هو الذي يَقتصر صاحبه على حقيقة الهجر ، وهو ترك المخالطة فلا يقرنها بجفاء آخر أو أذى ، ولما كان الهجر ينشأ عن بعض المهجور ، أو كراهية أعماله كان معرَّضاً لأن يعتلق به أذى من سبّ أو ضرب أو نحو ذلك . فأمر الله رسوله بهجر المشركين هجراً جميلاً ، أي أن يهجرهم ولا يزيدَ على هجرهم سَبّاً أو انتقاماً .

وهذا الهجر : هو إمساك النبي عن مكافاتهم بمثل ما يقولونه مما أشار إليه قوله تعالى : واصبر على ما يقولون .

وليس منسحباً على الدعوة للدين فإنها مستمرة ولكنها تبليغ عن الله تعالى فلا ينسب إلى النبي .

وقد انتزع فخر الدين من هذه الآية منزعاً خُلُقياً بأن الله جمع ما يحتاج إليه الإِنسان في مخالطَة الناس في هاتين الكلمتين لأن المرء إما أن يكون مخالطاً فلا بد له من الصبر على أذاهم وإيحاشهم لأنه إن أطمع نفسه بالراحة معهم لم يجدها مستمرة فيقع في الغموم إن لم يَرضْ نفسه بالصبر على أذاهم ، وإن ترك المخالطة فذلك هو الهجر الجميل .