{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } أى : سيقولون ملك كل شىء لله ، والقدرة على كل شىء لله .
{ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ } أى : قل لهم فى الجواب عليهم ، ما دمتم قد اعترفتم بأن كل شىء تحت قدرة الله وسيطرته ، فكيف تخدعون وتصرفون عن الحق وعن الرشد مع علمكم بهما ، إلى ما أنتم عليه من باطل وغى ! ! .
يقال : سحر فلان غيره ، بمعنى خدعه ، أو أتى عمل السحر . والمسحور هو الشخص المخدوع أو من تأثر بما عمل له من سحر .
وبهذه الحجج الدامغة ، أخرس الله - تعالى - ألسنة المنكرين للبعث ، واثبت لهم أنه - سبحانه - لا يعجزه شىء .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ فَأَنّىَ تُسْحَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا امحمد : من بيده خزائن كلّ شيء ؟ كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ قال : خزائن كلّ شيء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن مجاهد ، في قول الله : قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ قال : خزائن كلّ شيء .
وقوله : وَهُوَ يُجِيرُ من أراد ممن قصده بسوء . وَلا يُجارُ عَلَيْهِ يقول : ولا أحد يمتنع ممن أراده هو بسوء فيدفع عنه عذابه وعقابه . إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ من ذلك صفته ، فإنهم يقولون : إن ملكوت كلّ شيء والقدرة على الأشياء كلها لله . فقل لهم يا محمد : فَأنّى تُسْحَرُونَ يقولون : فمن أيّ وجه تُصْرَفون عن التصديق بآيات الله والإقرار بأخباره وأخبار رسوله والإيمان بأن الله القادر على كل ما يشاء وعلى بعثكم أحياء بعد مماتكم ، مع علمكم بما تقولون من عظيم سلطانه وقدرته ؟
وكان ابن عباس فيما ذُكر عنه يقول في معنى قوله تُسْحَرُونَ ما :
حدثني به عليّ ، قال : حدثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَأنّى تُسْحَرُونَ يقول : تكذبون .
وقد بيّنت فيما مضى السّحْر : أنه تخييل الشيء إلى الناظر أنه على خلاف ما هو به من هيئته ، فذلك معنى قوله : فَأنّى تُسْحَرُونَ إنما معناه : فمن أيّ وجه يُخَيلّ إليكم الكذب حقّا والفاسد صحيحا ، فتصرفون عن الإقرار بالحقّ الذي يدعوكم إليه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .
فوقع التوبيخ بعد في غاية البلاغة بقوله { فأنى تسحرون } ومعنى { أنى } كيف ومن أين ، وفي هذا تقرير سحرهم وهو سؤال عن الهيئة التي سحروا بها ، والسحر هنا مستعار لهم وهو تشبيه لما وقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك ، وقالت فرقة { تسحرون } معناه تمنعون ، وحكى بعضهم ذلك لغة ، وقرأ ابن محيصن «العظيمُ » برفع الميم { ملكوت } مصدر في بناء مبالغة{[8532]} والإجارة المنع من الإنسان والمعنى أن الله إذا منع أحداً فلا يقدر عليه ، وإذا أراد أحداً فلا مانع له ، وكذلك في سائر قدرته وما نفذ من قضائه لا يعارض ذلك الشيء ولا يحيله عن مجراه .
قرأ الجمهور { سيقولون لله } بلام الجر داخلة على اسم الجلالة مثل سالفه . وقرأه أبو عمرو ويعقوب بدون لام وقد علمت ذلك في نظيره السابق .
( وأنَّى ) يجوز أن تكون بمعنى ( من أين ) كما تقدم في سورة آل عمران ( 37 ) { قال يا مريم أنى لك هذا } والاستفهام تعجيبي . والسحر مستعار لترويج الباطل بجامع تخيل ما ليس بواقع واقعاً . والمعنى : فمن أين اختل شعوركم فراج عليكم الباطل . فالمراد بالسحر ترويج أيمة الكفر عليهم الباطل حتى جعلوهم كالمسحورين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قل فمن أين سحرتم فأنكرتم أن الله تعالى واحد لا شريك له، وأنتم مقرون بأنه خلق الأشياء كلها.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 88]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: من بيده خزائن كلّ شيء؟...
وقوله:"وَهُوَ يُجِيرُ" من أراد ممن قصده بسوء، "وَلا يُجارُ عَلَيْهِ "يقول: ولا أحد يمتنع ممن أراده هو بسوء فيدفع عنه عذابه وعقابه.
"إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" من ذلك صفته، فإنهم يقولون: إن ملكوت كلّ شيء والقدرة على الأشياء كلها لله.
فقل لهم يا محمد: "فَأنّى تُسْحَرُونَ" يقولون: فمن أيّ وجه تُصْرَفون عن التصديق بآيات الله والإقرار بأخباره وأخبار رسوله والإيمان بأن الله القادر على كل ما يشاء وعلى بعثكم أحياء بعد مماتكم، مع علمكم بما تقولون من عظيم سلطانه وقدرته؟
وكان ابن عباس فيما ذُكر عنه يقول في معنى قوله: "فَأنّى تُسْحَرُونَ" يقول: تكذبون.
وقد بيّنت فيما مضى السّحْر: أنه تخييل الشيء إلى الناظر أنه على خلاف ما هو به من هيئته، فذلك معنى قوله: "فَأنّى تُسْحَرُونَ" إنما معناه: فمن أيّ وجه يُخَيلّ إليكم الكذب حقّا والفاسد صحيحا، فتصرفون عن الإقرار بالحقّ الذي يدعوكم إليه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"أنى تسحرون" ومعناه كيف يخيل إليكم الحق باطلا، والصحيح فاسدا، مع وضوح الحق وتمييزه عن الباطل.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{تُسْحَرُونَ} تخدعون عن توحيده وطاعته. والخادع: هو الشيطان والهوى.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وفي هذا تقرير سحرهم وهو سؤال عن الهيئة التي سحروا بها، والسحر هنا مستعار لهم وهو تشبيه لما وقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور عبر عنهم بذلك.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{فأنّى تُسْحَرُونَ} مبالغة في التوبيخ بعد إقرارهم والتزامهم ما يقع عليهم به في الاحتجاج و (أنى) بمعنى كيف، قرر أنهم مسحورون وسألهم عن الهيئة التي سحروا بها أي كيف تخدعون عن توحيده وطاعته.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} أي: سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ولا يجار عليه، هو الله تعالى، وحده لا شريك له {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي: فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم حين إشراككم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولذلك استأنف قوله: {سيقولون لله} أي الذي بيده ذلك، خاصاً به، والتقدير لغير البصريين: ذلك كله لله، لأن اليد أدل شيء على الملك. ولما كان جوابهم بذلك يقتضي إنكار توقفهم في الإقرار بالبعث، استأنف قوله: {قل} منكراً عليهم تسبيب ذلك لهم ادعاء أنه سحر، أو صرف عن الحق كما يصرف المسحور {فأنّى تسحرون} أي فكيف بعد إقراركم بهذا كله تدعون أن الوعيد بالبعث سحر في قولكم: أفتأتون السحر وأنتم تبصرون، ومن أين صار لكم هذا الاعتقاد وقد أقررتم بما يلزم منه شمول العلم وتمام القدرة؟ ومن أين تتخيلون الحق باطلاً، أو كيف تفعلون فعل المسحور بما تأتون به من التخليط في الأقوال والأفعال، وتخدعون وتصرفون عن كل ما دعا إليه؟
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
{قل فأنى تسحرون} أي قل لهم على طريق الاستهجان والتوبيخ: كيف تخدعون وتصرفون عن توحيد الله وطاعته؟ فأنتم بعبادة الأصنام أو بعض البشر قد سحرت عقولكم كأنما غابت عن رشدها، واعتراها الذهول، فتصورت الأشياء على غير ما هي عليها.
وقد ثبت بالتجربة أن تكرار الكلام يخدع العقول والحواس حتى تتخيل غير الحق حقا، وتتوهم صدق ما يقال وإن كان باطلا...
والخلاصة: إن الكتاب الكريم عبر عن انصراف المشركين عن الحقائق الملموسة إلى ما لا أصل له إلا في أوهامهم وخيالاتهم بالسحر، فإن قوما ما يعترفون بإله خالق للسماوات والأرض بل للعالم كله، ثم هم بعد ذلك يقولون إن له شريكا، ليس له من سر إلا أن العقول قد سحرت عن أن تفهم الحقائق، وعولت على الاقتناع بالترهات والأباطيل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمعنى: فمن أين اختل شعوركم فراج عليكم الباطل. فالمراد بالسحر ترويج أيمة الكفر عليهم الباطل حتى جعلوهم كالمسحورين.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
فهذه الآيات تبين كيف تسيطر الأوهام على ذوي الأهواء الذين لا يفكرون، وتقاوم الحقائق الثابتة لديهم، وتسيرهم مع مخالفتها لكل معقول، ولما كان عندهم من علم سابق..
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي تتخيلون الأشياء في سلوككم العملي على خلاف ما هي عليه، فإذا كنتم تقرون بالله الذي يملككم ويملك ما تملكون، ويحميكم من الآخرين ولا يملك أحد أن يحميكم منه، فلماذا تبتعدون عن ساحة رضوانه، ومواقع الإيمان به، والإذعان لقدرته على بعثكم من جديد؟ فكيف يتوهم عجز من بيده القدرة على كل شيء عن ذلك؟... وهذا الأسلوب الذي يستخدمه القرآن لإثبات العقيدة من خلال مستلزماتها، يرتكز على إثارة التفاصيل الدقيقة التي تلتقي بالقاعدة وتوضحها من خلال تحريك الجزئيات التفصيلية التي تثيرها في النفس شيئاً فشيئاً، حتى يتعاظم الشعور بها، فتتضح الصورة للنفس، بعد أن كانت تبدو ضبابية تحت تأثير الأجواء الانفعالية وهيمنتها.