الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ فَأَنَّىٰ تُسۡحَرُونَ} (89)

فإنهم سيقولون أن ذلك هو الله ، وملك ذلك كله لله ، فقل لهم : { فأنى تسحرون }[ 90 ] .

أي : من أي وجه تصرفون عن{[47602]} التصديق بآيات الله والإقرار برسوله . ومن قرأ الثاني والثالث الله الله{[47603]} ، جعل السؤال والجواب من جهة واحدة ، لأن الله جل ذكره علم بجوابهم وسؤالهم قبل خلقهم ، فأخبر عن جوابهم من جهة السؤال .

ومن قرأ : لله لله ، أتى بالجواب من عند المسؤول ، وهو الأصل .

قال ابن عباس{[47604]} : ( تسحرون ) : تكذبون .

وحقيقة السحر أنه تخييل الشيء إلى الناظر أنه على خلاف ما هو به من{[47605]} هيئته . فكذلك معنى { فأنى تسحرون } أي : من وجه يخيل لكم الكذب حقا ، والفاسد صحيحا . فتصرفون عن الإقرار بالحق الذي{[47606]} يدعوكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم وفي هذه الآيات دلالة على جواز محاجة الكفار والمبطلين وإقامة الحجة عليهم ، وإظهار إبطال الباطل{[47607]} من قولهم ومذهبهم ، ووجوب النظر في الحجج على من خالف دين الله وقد أمر الله تعالى نبيه في غير ما موضع بالاحتجاج عليهم وعلمه كيف يحتج عليهم ، وكذلك أخبر عن إبراهيم عليه السلام بما احتج به على قومه ، وأخبرنا الله تعالى أنها حجة أتاها إبراهيم عليه السلام وعلمه إياها ، فاحتج بها على قومه وبينا لهم خطأهم فيما يعبدون ، وكذلك أخبرنا الله في غير موضع باحتجاج الأنبياء على قومهم ، وإقامة حجة الله عليهم ، ومناظرتهم لهم ، وهو كثير في القرآن ، دل على جواز إقامة الحجة على أهل الزيغ والكفر . فأما قوله تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن }{[47608]} فقد ذكرنا معناها في موضعها . وليست في هذا الباب ، ولها معاني قد بيناها .


[47602]:ز: من.
[47603]:وهي قراءة أبي عمرو. وقرأ الباقون (لله – لله) انظر: الكشف 2/130 واليسير 160.
[47604]:انظر: جامع البيان 18/49.
[47605]:ز: عن.
[47606]:قوله (والفاسد ...بالحق الذي) سقطت من ز.
[47607]:الباطل سقطت من ز.
[47608]:العنكبوت آية 46.