165- قال لوط : أتستمتعون بوطء الذكور دون الإناث ؟ يريد بذلك أن ينكر ما دأبوا عليه من ارتكاب هذه الفاحشة النكراء{[162]} .
ثم نهاهم عن أبرز الرذائل التي كانت متفشية فيهم فقال : { أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } .
والاستفهام للإنكار والتقريع ، والذكران : جمع ذكر وهو ضد الأنثى .
والعادون جمع عاد . يقال : عدا فلان فى الأمر يعدو ، إذا تجاوز الحد فى الظلم .
أى : قال لوط لقومه : أبلغ بكم انحطاط الفطرة ، وانتكاس الطبيعة ، أنكم تأتون الذكور الفاحشة ، وتتركون نساءكم اللائى أحلهن الله - تعالى - لكم ، وجعلهن الطريق الطبيعى للنسل وعمارة الكون .
إنكم بهذا الفعل القبيح الذميم ، تكونون قد تعديتم حدود الله - تعالى - وتجاوزتم ما أحله الله لكم ، إلى ما حرمه عليكم .
ثم يواجههم باستنكار خطيئتهم الشاذة التي عرفوا بها في التاريخ :
( أتأتون الذكران من العالمين ? وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ? بل أنتم قوم عادون ) .
والخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط [ وقد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن ] هي الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور ، وترك النساء . وهو انحراف في الفطرة شنيع . فقد برأ الله الذكر والأنثى ؛ وفطر كلا منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل ، الذي يتم باجتماع الذكر والأنثى . فكان هذا الميل طرفا من الناموس الكوني العام ، الذي يجعل كل من في الكون وكل ما في الكون في حالة تناسق وتعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود . فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف ، ولا يحقق غاية ، ولا يتمشى مع فطرة هذا الكون وقانونه . وعجيب أن يجد فيه أحد لذة . واللذة التي يجدها الذكر والأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة . فالانحراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط . ومن ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا ، لخروجهم من ركب الحياة ، ومن موكب الفطرة ، ولتعريهم من حكمة وجودهم ، وهي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج والتوالد .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَتَأْتُونَ الذّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } .
يعني بقوله : أتأْتُونَ الذّكْرَانَ مِنَ العالَمِينَ : أتنكحون الذكران من بني آدم في أدبارهم ، وقوله : وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ يقول : وتدعون الذي خلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهنّ ، فأحلّه لكم . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «وَتَذَرُونَ ما أصْلَحَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ » . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ قال : تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد بنحوه .
هو في الاستئناف كقوله { أتتركون } [ الشعراء : 146 ] في قصة ثمود . والإتيان : كناية . والذكران : جمع ذَكر وهو ضد الأنثى . وقوله : { من العالمين } الأظهر فيه أنه في موضع الحال من الواو في { أتأتون } . و { مِن } فَصْلية ، أي تفيد معنى الفصل بين متخالفَين بحيث لا يماثل أحدهما الآخر . فالمعنى : مفصولين من العَالمين لا يماثلكم في ذلك صنف من العالمين . وهذا المعنى جوزه في « الكشاف » ثانياً وهو أوفق بمعنى : { العالمين } الذي المختار فيه أنه جمع ( عالَم ) بمعنى النوع من المخلوقات كما تقدم في سورة الفاتحة .
وإثبات معنى الفصل لحرف { مِن } قاله ابن مالك ، ومثَّل بقوله تعالى : { والله يعلم المفسد من المصلح } [ البقرة : 220 ] ، وقوله : { لِيَمِيزَ الله الخبيثَ من الطيب } [ الأنفال : 37 ] . ونظر فيه ابن هشام في « مغني اللبيب » وهو معنى رشيق متوسط بين معنى الابتداء ومعنى البدلية وليس أحدهما . وقد تقدم بيانه عند قوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح } في سورة البقرة ( 220 ) .
والمعنى : أتأتون الذكران مخالفين جميع العالمين من الأنواع التي فيها ذكور وإناث فإنها لا يوجد فيها ما يأتي الذكور .
فهذا تنبيه على أن هذا الفعل الفظيع مخالف للفطرة لا يقع من الحيوان العُجْم فهو عمل ابتدعوه ما فعله غيرهم ، ونحوه قوله تعالى في الآية الأخرى { إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } [ العنكبوت : 28 ] .