{ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدراراً } وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زماناً طويلاً حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فهلكت أولادهم أموالهم ومواشيهم ، فقال لهم نوح : استغفروا ربكم من الشرك ، أي استدعوا المغفرة بالتوحيد ، يرسل السماء عليكم مدراراً . روى مطرف عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج يستسقي بالناس ، فلما يزد على الاستغفار حتى رجع ، فقيل له : ما سمعناك استسقيت ؟ فقال . طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر ، ثم قرأ : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا } .
{ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } والمراد بالسماء هنا : المطر لأنه ينزل منها ، وقد جاء فى الحديث الشريف أن من أسماء المطر السماء . فقد روى الشيخان عن زيد بن خالد الجهنى أنه قال " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية ، على إثر سماء كانت من الليل . . . " أى : على إثر إمطار نازلة بالليل .
إذا نزل السماء بأرض قوم . . . رعيناه وإن كانوا غضابا
والمدرار : المطر الغزير المتتابع ، يقال : درت السماء بالمطر ، إذا نزل منها بكثرة وتتابع ، والدر ، والدرور معناه : السيلان . . فقوله { مِّدْرَاراً } صيغة مبالغة منهما .
أى : استغفروا ربكم وتوبوا إليه ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أرسل الله - تعالى - عليكم بفضله ورحمته ، أمطارا غزيرة متتابعة ، لتنتفعوا بها فى مختلف شئون حياتكم .
وقوله : يُرْسِل السّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارا يقول : يسقيكم ربكم إن تبتم ووحدتموه وأخلصتم له العبادة الغيث ، فيرسل به السماء عليكم مدرارا متتابعا . وقد :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا سفيان ، عن مطرف ، عن الشعبي ، قال : خرج عمر بن الخطاب يستسقي ، فما زاد على الاستغفار ، ثم رجع فقالوا : يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت ، فقال : لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ، ثم قرأ : اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ إنّه كانَ غَفّارا يُرْسِل السّماءَ عَلَيْكُم مِدْرَارا ، وقرأ الاَية التي في سورة هود حتى بلغ : وَيَزِدْكُمْ قُوّة إلى قُوّتِكُمْ .
و { السماء } : هنا المطر ، ومن أسماء المطر السماء . وفي حديث « الموطأ » و« الصحيحين » عن زيد بن خالد الجهني : أنه قال : " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَة على إِثْر سَمَاءٍ كانت من الليْل " الحديث . وقال معاوية بن مالك بن جعفر :
إذا نزل السماءُ بأرض قوم *** رَعَيْنَاهُ وإن كانوا غِضابا
والمدرار : الكثيرة الدُّر والدُّرور ، وهو السيلان ، يُقال : درت السماء بالمطر ، وسماء مدرار .
ومعنى ذلك : أن يَتْبع بعض الأمطار بعضاً .
ومِدرار ، زنة مبالغة ، وهذا الوزن لا تلحقه علامة التأنيث إلاّ نادراً كما في قول سهل بن مالك الفزاري :
أصبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَة
فلذلك لم تلحق التاء هنا مع أن اسم السماء مؤنث .
والإِرسال : مستعار للإِيصال والإِعطاء ، وتعديته ب { عليكم } لأنه إيصال من علوّ كقوله :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.