قوله : { يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } . أي : يرسل ماء السماءِ ، ففيه إضمار .
وقيل : السماء : المطر ، أي يرسلُ المطر ؛ قال الشاعر : [ الوافر ] .
4878 - إذَا نَزََل السَّماءُ بأرْضِ قَوْمٍ***رَعيْنَاهُ وإنْ كَانُوا غِضَابَا{[57992]}
و «مِدْراراً » يجوز أن يكون حالاً من «السَّماء » . ولم يؤنث ؛ لأن «مفعالاً » لا يؤنث ، تقول : «امرأة مِئْنَاث ، ومِذْكَار » ولا يؤنث بالتاء إلا نادراً ، وحينئذ يستوي فيه المذكر والمؤنث ، فتقول رجُلٌ مخدامةٌ ، ومطرابةٌ ، وامرأة مخدامة ومطرابة ، وأن يكون نعتاً لمصدر محذوف ، أي : إرسالاً مدراراً . وتقدم الكلام عليه في الأنعام{[57993]} .
وجزم «يرسل » جواباً للأمر ، و «مِدْرَاراً » ذا غيث كثيرٍ .
قال مقاتل : لما كذَّبوا نوحاً - عليه الصلاة والسلام - زماناً طويلاً حبس اللَّهُ عنهم المطر ، وأعقم أرحامَ نسائهم أربعين سنة ، فهلكت مواشيهم وزروعهم فصاروا إلى نوح - عليه الصلاة والسلام - واستغاثوا به ، فقال : { استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } ، أي : لمن أناب إليه ، ثم رغبهم في الإيمان فقال : { يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }{[57994]} .
قال قتادة : علم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أنهم أهل حرصٍ على الدنيا ، فقال : هلموا إلى طاعة الله ، فإنَّ في طاعة الله درك الدنيا والآخرة{[57995]} .
فصل في استنزال الرزق بالاستغفار .
في هذه الآية والتي قبلها في «هود » دليلٌ على أنَّ الاستغفار يستنزلُ به الرزق والأمطار قال الشعبيُّ : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماءِ التي يستنزل بها المطر ، ثم قرأ : { استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا } .
قال ابن الأثير : المجاديحُ واحدها «مجدح » والياء زائدة للإشباع ، والقياس أن يكون واحدها مجداح ، فأما مجدح فجمعه «مجادح » ، والمجدح : نجمٌ من النجوم .
وقيل : هو ثلاثةُ كواكب ، كالأثافي تشبيهاً له بالمجدح ، الذي له ثلاث شعبٍ ، وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر ، فجعل الاستغفار مشبهاً بالأنواء ، مخاطبة لهم بما يعرفونه لا قولاً بالأنواء ، وجاء بلفظ الجمع ؛ لأنه أراد الأنواء جميعها التي يزعمون أن من شأنها المطر .
وشكى رجلٌ إلى الحسن الجدوبة ، فقال له : استغفر الله ، وشكى آخر إليه الفقر ، فقال له : استغفر الله ، وقال له آخر : ادعُ الله أن يرزقني ولداً ، فقال له : استغفر الله ، وشكى إليه آخرُ جفاف بساتينه فقال له : استغفر الله ، فقلنا له في ذلك ، فقال ما قلت من عندي شيئاً ، إنَّ الله تعالى يقول في سورة «نوح » : { استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } .
فإن قيل : إنَّ نوحاً - عليه الصلاة والسلام - أمر الكفار أولاً بالعبادة ، والطَّاعة ، فأيُّ فائدةٍ في أن أمرهم بعد ذلك بالاستغفار .
فالجوابُ{[57996]} : لمَّا أمرهم بالعبادة قالوا له : إن كان الدين الذي كُنَّا عليه حقاً ، فلم تأمرنا بتركه ، وإن كان باطلاً ، فكيف يقبلنا بعد أن عصيناه ، فقال نوح - عليه الصلاة والسلام - : إنكم وإن كنتم قد عصيتموه ولكن استغفروا من تلك الذنوب فإنَّه سبحانه كان غفاراً .
فإن قيل : فلم قيل : إنه كان غفاراً ، ولم يقل : إنَّه غفار ؟ .
فالجوابُ : كأنه يقول : لا تظنوا أن غفرانه إنما حدث الآن بل هو أبداً هكذا عادته أنه غفارٌ في حق من استغفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.