{ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا } أى : من هذه النار التى تلفح وجوهنا { فَإِنْ عُدْنَا } إلى ما نحن عليه من الكفر وارتكاب السيئات { فَإِنَّا ظَالِمُونَ } أى : فإنا متجاوزون لكل حد فى الظلم ، ونستحق بسبب ذلك عذابا اشد مما نحن فيه .
وهكذا يصور القرآن بأسلوبه البديع المؤثر ، أحوال الكافرين يوم القيامة ، تصويرا ترتجف له القلوب ، وتهتز منه النفوس ، وتقشعر من هوله الأبدان .
ثم تدرجوا من الإقرار إلى الرغبة والتضرع وذلك أنهم ذلوا لأن الإقرار بالذنب اعتذار وتنصل ، فوقع جواب رغبتهم بحسب ما حتمه الله من عذابهم بقوله تعالى : { اخسؤوا فيها ولا تكلمون } وجاء { ولا تكلمون } بلفظ نهي وهم لا يستطيعون الكلام على ما روي فهذا مبالغة في المنع ، ويقال إن هذه الكلمة إذا سمعوها يئسوا ، وحكى الطبري حديثاً طويلاً في مقاولة تكون بين الكفار وبين مالك خازن النار ، ثم بينهم وبين ربهم وآخرها هذه الكلمة { اخسؤوا فيها } قال فتنطبق عليهم جهنم ويقع اليأس ويبقون ينبح بعضهم في وجه بعض{[8551]} .
قال الفقيه الإمام القاضي : واختصرت هذا الحديث لعدم صحته لكن معناه صحيح عافانا الله من ناره بمنه ، وقوله { اخسؤوا } زجر يستعمل في زجر الكلاب ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد اخسأ فلن تعدو قدرك{[8552]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قالوا: {ربنا أخرجنا منها} يعني: من النار {فإن عدنا} إلى الكفر والتكذيب {فإنا ظالمون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذين خفّت موازين صالح أعمالهم يوم القيامة في جهنم: ربنا أخرجا من النار، فإن عدنا لما تكره منا من عمل فإنا ظالمون.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
عِلمَ أنّ ردَّهم إلى الدنيا لا يكون، ولكنه عِلم أنّه لو كان فكيف كان يكون.
فالمعنى: أخرجنا من هذه الدار إلى دار الدنيا، فإن عدنا إلى الأعمال السيئة فإنا ظالمون، فإن قيل كيف يجوز أن يطلبوا ذلك وقد علموا أن عقابهم دائم؟ قلنا يجوز أن يلحقهم السهو عن ذلك في أحوال شدة العذاب فيسألون الرجعة. ويحتمل أن يكون مع علمهم بذلك يسألون ذلك على وجه الغوث والاسترواح.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثم قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} أي: رُدَّنا إلى الدار الدنيا، فإن عدنا إلى ما سلف منا، فنحن ظالمون مستحقون للعقوبة، كما قالوا: {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ. ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 11، 12] أي: لا سبيل إلى الخروج؛ لأنكم كنتم تشركون بالله إذا وحده المؤمنون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهم ظنوا أنهم إن أخرجوا من النار رجعوا إلى الإيمان والعمل الصالح فالتزموا لله بأنهم لا يعودون إلى الكفر والتكذيب...
والظلم في {فإنا ظالمون} هو تجاوز العدل، والمراد ظلم آخر بعد ظلمهم الأول وهو الذي ينقطع عنده سؤال العفو.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا} وامنحنا تجربةً جديدةً للعودة إلى الدنيا لنعمل في الاتجاه السليم في خط الإيمان الذي يطلّ بنا على طاعتك، ويبعدنا عن معصيتك، وأعطنا فرصةً حقيقيّةً لتصحيح الخطأ، ولتقويم الانحراف، ولك علينا العهد المؤكد أن لا نعود إلى ما كنا عليه، {فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُون} لأنفسنا، ما يجعلنا نستحق كل عقوبةٍ، وكل مهانةٍ وإذلال.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
يقولون ذلك وكأنّهم لا يعلمون أنّ القيامة دار جزاء، وليست دار عمل، وأنّ العودة إلى الدنيا أمر محال.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.