لما أخبره ذلك الرجل بما تمالأ عليه فرعون ودولته في أمره ، خرج من مصر وحده ، ولم يألف ذلك قلبه ، بل كان في رفاهية ونعمة ورئاسة ، { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ } أي : يتلفَّت { قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أي : من فرعون وملئه . فذكروا أن الله ، سبحانه وتعالى ، بعث له ملكًا على فرس ، فأرشده إلى الطريق ، فالله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقّبُ قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ * وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىَ رَبّيَ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السّبِيلِ } .
يقول تعالى ذكره : فخرج موسى من مدينة فرعون خائفا من قتله النفس أن يقتل به يترقب يقول : ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفا يتَرَقّبُ خائفا من قتله النفس يترقب الطلب قالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفا يَتَرقّبُ قال : خائفا من قتل النفس ، يترقب أن يأخذه الطلب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذُكر لي أنه خرج على وجهه خائفا يترقب ما يدري أيّ وجه يسلك ، وهو يقول : رَبّ نَجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَخَرَجَ مِنْها خائِفا يَترَقّبُ قال : يترقب مخافة الطلب .
وقوله : قالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ يقول تعالى ذكره : قال موسى وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفا : ربّ نجني من هؤلاء القوم الكافرين ، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك .
والترقب : حقيقته الانتظار ، وهو مشتق من رقب إذا نظر أحوال شيء . ومنه سمي المكان المرتفع : مرقبة ومرتقباً ، وهو هنا مستعار للحذر .
وجملة { قال رب نجني } بدل اشتمال من جملة { يترقب } لأن ترقبه يشتمل على الدعاء إلى الله بأن ينجيه .
والقوم الظالمون هم قوم فرعون . ووصفهم بالظلم لأنهم مشركون ولأنهم راموا قتله قصاصاً عن قتل خطإ وذلك ظلم لأن الخطأ في القتل لا يقتضي الجزاء بالقتل في نظر العقل والشرع .
ومحل العبرة من قصة موسى مع القبطي وخروجه من المدينة من قوله { ولما بلغ أشده } [ القصص : 14 ] إلى هنا هو أن الله يصطفي من يشاء من عباده ، وأنه أعلم حيث يجعل رسالاته ، وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء هيأ له أسبابه بقدرته فأبرزه على أتقن تدبير ، وأن الناظر البصير في آثار ذلك التدبير يقتبس منها دلالة على صدق الرسول في دعوته كما أشار إليه قوله تعالى { فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون } [ يونس : 16 ] . وإن أوضح تلك المظاهر هو مظهر استقامة السيرة ومحبة الحق ، وأن دليل عناية الله بمن اصطفاه لذلك هو نصره على أعدائه ونجاته مما له من المكائد . وفي ذلك كله مثل للمشركين لو نظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم في ذاته وفي حالهم معه . ثم { إن } في قوله تعالى { إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك } الآية إيماء إلى أن رسوله صلى الله عليه وسلم سيخرج من مكة وأن الله منجيه من ظالميه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.