( وإذا الوحوش حشرت ) . . فهذه الوحوش النافرة قد هالها الرعب والهول فحشرت وانزوت تتجمع من الهول وهي الشاردة في الشعاب ؛ ونسيت مخاوفها بعضها من بعض ، كما نسيت فرائسها ، ومضت هائمة على وجوهها ، لا تأوي إلى جحورها أو بيوتها كما هي عادتها ، ولا تنطلق وراء فرائسها كما هو شأنها . فالهول والرعب لا يدعان لهذه الوحوش بقية من طباعها وخصائصها ! فكيف بالناس في ذلك الهول العصيب ? !
وقوله : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } أي : جمعت . كما قال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] . قال ابن عباس : يحشر كل شيء حتى الذباب . رواه ابن أبي حاتم . وكذا قال الربيع بن خُثَيم{[29746]} والسّدي ، وغير واحد . وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية : إن هذه الخلائق [ موافية ]{[29747]} فيقضي الله فيها ما يشاء .
وقال ابن جرير : حدثني علي بن مسلم الطوسي ، حدثنا عباد بن العوام ، أخبرنا حُصَين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال : حَشرُ البهائم : موتها ، وحشر كل شيء الموت غيره{[29748]} الجن والإنس ، فإنهما يوقفان يوم القيامة .
حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خُثَيم{[29749]} : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } قال : أتى عليها أمر الله . قال سفيان : قال أبي : فذكرته لعكرمة ، فقال : قال ابن عباس : حشرها : موتها .
وقد تقدم عن أبيّّ بن كعب أنه قال : { وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } اختلطت .
قال ابن جرير : والأولى قَولُ من قال : { حُشِرَت } جُمعت ، قال الله تعالى : { وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً } [ ص : 19 ] ، أي : مجموعة .
و «حشر الوحوش » : جمعها ، واختلف الناس في هذا الجمع ما هو ؟ فقال ابن عباس : { حشرت } بالموت لا تبعث في القيامة ولا يحضر في القيامة غير الثقلين{[11644]} ، وقال قتادة وجماعة : { حشرت } للجمع يوم القيامة ، ويقتص للجماء من القرناء{[11645]} فجعلوا ألفاظ هذا الحديث حقيقة لا مجازاً مثالاً في العدل{[11646]} . وقال أبيّ بن كعب : { حشرت } في الدنيا في أول هول يوم القيامة فإنها تفر في الأرض وتجتمع إلى بني آدم تأنيساً بهم ، وقرأ الحسن : «حشّرت » بشد الشين على المبالغة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.