اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ} (5)

قوله تعالى : { وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ } ، الوحوش : ما لم يتأنس به من حيوان البرّ ، والوحشُ أيضاً : المكان الذي لا أنس فيه ، ومنه : لقيته بوحش أي : ببلد قفر ، والوحشُ : الذي يبيت وجوفه خالياً من طعامٍ ، وجمعه : أوحاشٌ ، وسمِّي به المنسوب إلى المكان الوحشيّ : وحشي ، وعبر بالوحشيّ عن الجانب الذي يضاد الإنسي ، والإنسي : ما يقبل من الإنسان وعلى هذا وحشي الفرس وإنسيه .

وقوله تعالى : { حُشِرَتْ } . أي : جمعت ، والحشرُ : الجمع قاله الحسنُ وقتادةُ وغيرهما{[59439]} .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : حشرها موتها ، رواه عكرمة{[59440]} ، وحشر كلِّ شيءٍ : الموت لغير الجن والإنس ، فإنهما يوافيان يوم القيامة .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : يحشَرُ كلُّ شيءٍ حتى الذباب{[59441]} .

وعن ابن عباس - أيضاً - : يحشر الوحوش غداً ، أي : تُجمع ، حتى يقتصّ لبعضها من بعض ، فيقتص للجمَّاء من القرناء ثم يقال لها : كوني تراباً فتموت{[59442]} .

وقرأ الحسن{[59443]} وابن ميمون : «حُشِّرت » بتشديد الشين .

ومعنى الآية : أي : أنَّ الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف ببني آدم ؟ .

وقيل : أي : أنَّها مع نفرتها اليوم من النَّاس ، وتبددها في الصحاري ، تنضمّ غداً إلى الناس من أهوال ذلك اليوم ؛ قاله أبي بن كعب .


[59439]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/460) عن قتادة.
[59440]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/459) من طريق عكرمة عن ابن عباس.
[59441]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/527) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
[59442]:تقدم في سورة النبأ.
[59443]:ينظر: المحرر الوجيز 5/441، والبحر المحيط 8/424، والدر المصون 6/485.