مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ} (5)

الخامس : قوله تعالى : { وإذا الوحوش حشرت } . كل شيء من دواب البر مما لا يستأنس فهو وحش ، والجمع الوحوش ، و{ حشرت } جمعت من كل ناحية ، قال قتادة : يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص ، قال المعتزلة : إن الله تعالى يحشر الحيوانات كلها في ذلك اليوم ليعوضها على آلامها التي وصلت إليها في الدنيا بالموت والقتل وغير ذلك ، فإذا عوضت على تلك الآلام ، فإن شاء الله أن يبقي بعضها في الجنة إذا كان مستحسنا فعل ، وإن شاء أن يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر ، وأما أصحابنا فعندهم أنه لا يجب على الله شيء بحكم الاستحقاق ، ولكنه تعالى يحشر الوحوش كلها فيقتص للجماء من القرناء ، ثم يقال لها موتي فتموت ، والغرض من ذلك هذه القصة ههنا وجوه ( أحدها ) : أنه تعالى إذا كان [ يوم القيامة ] يحشر كل الحيوانات إظهارا للعدل ، فكيف يجوز مع هذا أن لا يحشر المكلفين من الإنس والجن ؟ ( الثاني ) : أنها تجتمع في موقف القيامة مع شدة نفرتها عن الناس في الدنيا وتبددها في الصحاري ، فدل هذا على أن اجتماعها إلى الناس ليس إلا من هول ذلك اليوم ( والثالث ) : أن هذه الحيوانات بعضها غذاء للبعض ، ثم إنها في ذلك اليوم تجتمع ولا يتعرض بعضها لبعض ، وما ذاك إلا لشدة هول ذلك اليوم ، وفي الآية ( قول آخر ) : لابن عباس وهو أن حشر الوحوش عبارة عن موتها ، يقال إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم -حشرتهم السنة ، وقرئ حشرت بالتشديد .