المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالٗا مَّمۡدُودٗا} (12)

11 - اتركني وحدي مع مَن خلقته ، فإني أكفيك أمره ، جعلت له مالاً مبسوطاً واسعاً غير منقطع ، وبنين حضوراً معه ، وبسطت له الجاه والرياسة بسطة تامة ، ثم يطمع أن أزيده في ماله وبنيه وجاهه بدون شكر ؟ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالٗا مَّمۡدُودٗا} (12)

11

( ذرني ومن خلقت وحيدا ) . .

والخطاب للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد . خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده . فأنا سأتولى حربه . . وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل ؛ وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها . . قوة الجبار القهار . . لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل ! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها . فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه !

ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه الله من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده . فهو قد خلقه وحيدا مجردا من كل شيء حتى من ثيابه ! ثم جعل له مالا كثيرا ممدودا . ورزقه بنين من حوله حاضرين شهودا ، فهو منهم في أنس وعزوة . ومهد له الحياة تمهيدا ويسرها له تيسيرا . . ( ثم يطمع أن أزيد ) . . فهو لا يقنع بما أوتي ، ولا يشكر ويكتفي . . أم لعله يطمع في أن ينزل عليه الوحي وأن يعطى كتابا كما سيجيء في آخر السورة : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) . . فقد كان ممن يحسدون الرسول[ صلى الله عليه وسلم ] على إعطائه النبوة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالٗا مَّمۡدُودٗا} (12)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني بالمال بستانه الذي له بالطائف، والممدود الذي لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في هذا المال الذي ذكره الله، وأخبر أنه جعله للوحيد ما هو، وما مبلغه؟

فقال بعضهم: كان ذلك دنانير، ومبلغها ألف دينار.

وقال آخرون: كان ماله أربعة آلاف دينار.

وقال آخرون: كان ماله أرضا.

وقال آخرون: كان ذلك غلة شهر بشهر.

والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله:"وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُودا "وهو الكثير، الممدود عدده أو مساحته.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{مالا ممدودا} أي مالا لا ينقطع، بل يكون له مدد. المال الممدود، هو: المتتابع، لا ينقطع مدده، ولا يقع تحت الإحصاء.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في تفسير المال الممدود وجوه؛

(الأول) المال الذي يكون له مدد يأتي من الجزء بعد الجزء على الدوام، فلذلك فسره عمر بن الخطاب بغِلَّة شهر شهر.

(وثانيها) أنه المال الذي يمد بالزيادة، كالضرع والزرع وأنواع التجارات.

(وثالثها) أنه المال الذي امتد مكانه، قال ابن عباس: كان ماله ممدودا ما بين مكة إلى الطائف من الإبل والخيل والغنم والبساتين الكثيرة بالطائف والأشجار والأنهار والنقد الكثير، وقال مقاتل: كان له بستان لا ينقطع نفعه شتاء ولا صيفا، فالممدود هنا كما في قوله: {وظل ممدود} أي لا ينقطع.

(ورابعها) أنه المال الكثير وذلك لأن المال الكثير إذا عدد فإنه يمتد تعديده، ومن المفسرين من قدر المال الممدود فقال بعضهم: ألف دينار، وقال آخرون: أربعة آلاف وقال آخرون: ألف ألف، وهذه التحكمات مما لا يميل إليها الطبع السليم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وجعلت له} أي بأسباب أوجدتها أنا وحدي لا حول منه ولا قوة بدليل أن غيره أقوى منه بدناً وقلباً وأوسع فكراً وعقلاً وهو دونه في ذلك {مالاً ممدوداً} أي مبسوطاً واسعاً نامياً كثيراً جداً- عاماً لجميع أوقات وجوده.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 11]

وينتقل من هذا التهديد العام إلى مواجهة فرد بذاته من المكذبين؛ يبدو أنه كان له دور رئيسي خاص في التكذيب والتبييت للدعوة؛ فيوجه إليه تهديدا ساحقا ماحقا، ويرسم له صورة منكرة تثير الهزء والسخرية من حاله وملامح وجهه ونفسه التي تبرز من خلال الكلمات كأنها حية شاخصة متحركة الملامح والسمات: (ذرني ومن خلقت وحيدا، وجعلت له مالا ممدودا، وبنين شهودا، ومهدت له تمهيدا، ثم يطمع أن أزيد! كلا! إنه كان لآياتنا عنيدا. سأرهقه صعودا. إنه فكر وقدر. فقتل! كيف قدر؟ ثم قتل! كيف قدر؟ ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر، فقال:إن هذا إلا سحر يؤثر. إن هذا إلا قول البشر. سأصليه سقر. وما أدراك ما سقر؟ لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر، عليها تسعة عشر...).. وقد وردت روايات متعددة بأن المعني هنا هو الوليد بن المغيرة المخزومي. قال ابن جرير:حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثورة، عن معمر، عن عبادة بن منصور، عن عكرمة، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام، فأتاه فقال له:أي عم! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا:قال:لم؟ قال:يعطونكه، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله [يريد بخبث أن يثير كبرياءه من الناحية التي يعرف أن الوليد أشد بها اعتزازا] قال:قد علمت قريش أني أكثرها مالا! قال:فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له! قال:فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن! والله ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا. والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى.. قال:والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه.. قال:فدعني حتى أفكر فيه.. فلما فكر قال:إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره. فنزلت: ذرني ومن خلقت وحيدا -حتى بلغ- عليها تسعة عشر. وفي رواية أخرى أن قريشا قالت:لئن صبأ الوليد، لتصبون قريش كلها! فقال أبو جهل:أنا أكفيكموه! ثم دخل عليه!.. وأنه قال بعد التفكير الطويل:إنه سحر يؤثر. أما ترون أنه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه؟ هذه هي الواقعة كما جاءت بها الروايات. فأما القرآن فيسوقها هذه السياقة الحية المثيرة.. يبدأ بذلك التهديد القاصم الرهيب.