( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ، إنه هو السميع العليم ) .
وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس في نفوسهن من استجابته لهن ، بعد هذه التجربة ، أو بزيادة انصرافه عن الإغراء حتى لا يحس في نفسه أثرا منه . أو بهما جميعا .
( إنه هو السميع العليم ) الذي يسمع ويعلم ، يسمع الكيد ويسمع الدعاء ، ويعلم ما وراء الكيد وما وراء الدعاء .
وهكذا اجتاز يوسف محنته الثانية ، بلطف الله ورعايته . وانتهت بهذه النجاة الحلقة الثانية من قصته المثيرة .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
قال أبو جعغر : إن قال قائل : وما وجه قوله : { فاسْتَجابَ لَه رَبّهُ } ، ولا مسألة تقدمت من يوسف لربه ، ولا دعا بصرف كيدهنّ عنه ، وإنما أخبر ربه أن السجن أحبّ إليه من معصيته ؟ قيل : إن في إخباره بذلك شكاية منه إلى ربه مما لقي منهنّ ، وفي قوله : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَيْهِنّ } معنى دعاء ومسألة منه ربه صرف كيدهنّ ، ولذلك قال الله تعالى ذكره : { فاسْتَجابَ لَهُ رَبّه } ، ُ وذلك كقول القائل لآخر : إن لا تزرني أُهِنْكَ ، فيجيبه الآخر : إذن أزورَك ، لأن في قوله : إن لا تزرني أهنك ، معنى الأمر بالزيارة . وتأويل الكلام : فاستجاب الله ليوسف دعاءه ، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { فاسْتَجابَ لَهُ رَبّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنّ إنّهُ هُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ } ، أي : نجاه من أن يركب المعصية فيهنّ ، وقد نزل به بعض ما حَذِر منهنّ .
وقوله : { إنّهُ هُوَ السّمِيعُ } : دعاء يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه ، ودعاء كل داع من خلقه . { العَلِيمُ } ، بمطلبه وحاجته ، وما يصلحه ، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم .
وقوله : { فاستجاب له ربه } الآية ، قول يوسف عليه السلام : { رب السجن } إلى قوله : { من الجاهلين } كلام يتضمن التشكي إلى الله عز وجل من حاله معهن ، والدعاء إليه في كشف بلواه . فلذلك قال - بعد مقالة يوسف - { فاستجاب له ربه } أي أجابه إلى إرادته وصرف عنه كيدهن في أن حال بينه وبين المعصية ، وقوله : { السميع العليم } صفتان لائقتان بقوله : { فاستجاب } .
عطْف جملة { فاستجاب } بفاء التعقيب إشارة إلى أنّ الله عجّل إجابة دعائه الذي تضمنه قوله : { وإلاّ تصرف عني كيدهن } . واستجاب : مبالغة في أجاب ، كما تقدم في قوله : { فاستعصم } [ سورة يوسف : 32 ] .
وصَرْف كيدهن عنه صَرْف أثره ، وذلك بأن ثبّته على العصمة فلم ينخدع لكيدها ولا لكيد خلائلها في أضيق الأوقات .
وجملة { إنّه هو السميع العليم } في موضع العلة ل { استجاب } المعطوف بفاء التعقيب ، أي أجاب دعاءه بدون مهلة لأنه سريع الإجابة وعليم بالضمائر الخالصة . فالسمع مستعمل في إجابة المطلوب ، يقال : سمع الله لمن حمده . وتأكيده بضمير الفصل لتحقيق ذلك المعنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.