ثم قال : { سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا } أي : هذه سنة الله وعادته في خلقه ، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلى نصر الله الإيمان على الكفر ، فرفع الحق ووضع الباطل ، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين ، مع قلة عدد المسلمين وعُدَدهم ، وكثرة المشركين وعددهم{[26864]} .
وانتصب { سنة اللَّه } نِيابة عن المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله لإفادة معنى تأكيد الفعل المحذوف . والمعنى : سن الله ذلك سُنة ، أي جعله عادة له ينصر المؤمنين على الكافرين إذا كانت نية المؤمنين نصر دين الله كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } [ محمد : 7 ] وقال : { ولينصرن الله من ينصره } [ الحج : 40 ] ، أي أنّ الله ضمن النصر للمؤمنين بأن تكون عاقبة حروبهم نصراً وإن كانوا قد يُغلبون في بعض المواقع كما وقع يوم أحد وقد قال تعالى : { والعاقبة للمتقين } [ القصص : 83 ] وقال : { والعاقبة للتقوى } [ طه : 132 ] .
وإنما يكون كمال النصر على حسب ضرورة المؤمنين وعلى حسب الإيمان والتقوى ، ولذلك كان هذا الوعد غالباً للرسُول ومن معه فيكون النصر تاماً في حالة الخطر كما كان يوم بدر ، ويكون سجالاً في حالة السعة كما في وقعة أحد وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " اللهم إن تَهلِك هذه العصابة لا تعبَد في الأرض " وقال الله تعالى : { قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } [ الأعراف : 128 ] ، ويكون لمن بعد الرسول صلى الله عليه وسلم من جيوش المسلمين على حسب تمسكهم بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم ففي « صحيح البخاري » عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم " يأتي زمان يغزُو فآمٌ من الناس فيقال : فيكم من صحب النبي ؟ فيقال : نعم ، فيفتحُ عليه ، ثم يأتي زمان فيُقال : فيكم من صحب أصحاب النبي ؟ فيقال : نعم فيفتح ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صَحِب من صَاحَبَ النبي ؟ فيقال : نعم فيُفتحُ "
ومعنى { خلت } مضت وسبقت من أقدم عصور اجتلاد الحق والباطل ، والمضاف إليه { قبلُ } محذوف نُوِي معناه دون لفظه ، أي ليس في الكلام دال على لفظه ولكن يدل عليه معنى الكلام ، فلذلك بُني { قبلُ } على الضم . وفائدة هذا الوصف الدلالة على اطرادها وثباتها .
والمعنى : أن ذلك سنة الله مع الرسل قال تعالى : { كتب الله لأغلِبنّ أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } [ المجادلة : 21 ] .
ولما وصف تلك السنة بأنها راسخة فيما مضى أعقب ذلك بوصفها بالتحقق في المستقبل تعميماً للأزمنة بقوله : { ولن تجد لسنة اللَّه تبديلاً } لأن اطراد ذلك النصر في مختلف الأمم والعصور وإخبارَ الله تعالى به على لسان رسله وأنبيائه يدل على أن الله أراد تأييد أحزابه فيعلم أنه لا يستطيع كائن أن يحول دون إرادة الله تعالى .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول كذلك كان {سنة الله التي قد خلت من قبل} كفار مكة حين هزموا ببدر فهؤلاء بمنزلتهم.
{ولن تجد لسنة الله تبديلا} يعني تحويلا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"سُنّةَ اللّهِ التي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ "يقول تعالى ذكره: لو قاتلكم هؤلاء الكفار من قريش، لخذلهم الله حتى يهزمهم عنكم خذلانه أمثالهم من أهل الكفر به، الذين قاتلوا أولياءه من الأمم الذين مضوا قبلهم. وأخرج قوله: "سُنّةَ اللّهِ" نصبا من غير لفظه، وذلك أن في قوله: "لَوَلّوُا الأدْبارَ ثُمّ لا يَجدُونَ وَلِيّا وَلا نَصِيرا" معنى سننت فيهم الهزيمة والخذلان، فلذلك قيل: "سُنّةَ اللّهِ" مصدرا من معنى الكلام لا من لفظه، وقد يجوز أن تكون تفسيرا لما قبلها من الكلام.
وقوله: "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً" يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا، بل ذلك دائم للإحسان جزاءه من الإحسان، وللإساءة والكفر العقاب والنكال.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} يعني طريقة الله وعادته السالفة نصر رسله وأوليائه على أعدائه.
وفي قوله: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} وجهان:
أحدهما: ولن تتغير سنة الله وعادته في نصرك على أعدائك وأعدائه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"ولن تجد" يا محمد "لسنة الله تبديلا" أي لن تجد لسنة الله ما يدفعها فالسنة: الطريقة المستمرة في معنى...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: هذه سنة الله وعادته في خلقه، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلى نصر الله الإيمان على الكفر، فرفع الحق ووضع الباطل، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين، مع قلة عدد المسلمين وعُدَدهم، وكثرة المشركين وعددهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{سنة الله} أي سن المحيط بهذا الخلق في هذا الزمان وما بعده كما كان محيطاً بالخلق في قديم الدهر... {التي قد خلت} أي سنة مؤكدة لا تتغير، وأكد الجار لأجل أن- القتال ما وقع الزمان الماضي إلا بعد نزول التوراة فقال: {من قبل} وأما قبل ذلك فإنما كان يحصل الهلاك بأمر من عند الله بغير أيدي المؤمنين {ولن تجد} أيها السامع {لسنة الله} الذي لا يخلف قولاً لأنه محيط بجميع صفات الكمال {تبديلاً} أي تغيراً من مغير ما، يغيرها بما يكون بدلها...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهكذا يربط نصرهم وهزيمة الكفار بسنته الكونية الثابتة التي لا تتبدل. فأية سكينة؟ وأية ثقة؟ وأي تثبيت يجده أولئك المؤمنون في أنفسهم؛ وهم يسمعون من الله أن نصرهم وهزيمة أعدائهم سنة من سننه الجارية في هذا الوجود؟ وهي سنة دائمة لا تتبدل. ولكنها قد تتأخر إلى أجل. ولأسباب قد تتعلق باستواء المؤمنين على طريقهم واستقامتهم الاستقامة التي يعرفها الله لهم. أو تتعلق بتهيئة الجو الذي يولد فيه النصر للمؤمنين والهزيمة للكافرين، لتكون له قيمته وأثره. أو لغير هذا وذلك مما يعلمه الله. ولكن السنة لا تتخلف. والله أصدق القائلين: (ولن تجد لسنة الله تبديلا)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سن الله ذلك سُنة، أي جعله عادة له ينصر المؤمنين على الكافرين إذا كانت نية المؤمنين نصر دين الله... وإنما يكون كمال النصر على حسب ضرورة المؤمنين وعلى حسب الإيمان والتقوى، ولذلك كان هذا الوعد غالباً للرسُول ومن معه فيكون النصر تاماً في حالة الخطر كما كان يوم بدر، ويكون سجالاً في حالة السعة كما في وقعة أحد...
. {ولن تجد لسنة اللَّه تبديلاً} لأن اطراد ذلك النصر في مختلف الأمم والعصور وإخبارَ الله تعالى به على لسان رسله وأنبيائه يدل على أن الله أراد تأييد أحزابه فيعلم أنه لا يستطيع كائن أن يحول دون إرادة الله تعالى...