القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الّذِيَ آمَنَ يَقَوْمِ اتّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ * يَقَوْمِ إِنّمَا هََذِهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنّ الاَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن المؤمن بالله من آل فرعون وَقالَ الّذي آمَنَ من قوم فرعون لقومه : يا قَوْمِ اتّبِعُونِ أهْدِكُمْ سَبِيلَ الرّشادِ يقول : إن اتبعتموني فقبلتم مني ما أقول لكم ، بيّنت لكم طريق الصواب الذي تَرشدُون إذا أخذتم فيه وسلكتموه وذلك هو دين الله الذي ابتعث به موسى .
هذا مقال في مقام آخر قاله مؤمنُ آل فرعون ، فهذه المقالات المعطوفة بالواو مقالات متفرقة . فابتدأ موعظته بندائهم ليلفت إليه أذهانهم ويستصغي أسماعهم ، وبعنوان أنهم قومه لتَصْغَى إليه أفئدتُهم . ورتب خطبتُه على أسلوب تقديم الإِجمال ثم تعقيبه بالتفصيل ، فابتدأ بقوله : { اتَّبِعُونِ أَهدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ } ، وسبيل الرشاد مجمل وهو على إجماله مما تتوق إليه النفوس ، فربْطُ حصوله باتِّباعهم إيَّاه مما يُقبِل بهم على تلقّي ما يفسر هذا السبيل ، ويسترعي أسماعهم إلى ما يقوله إذ لعله سيأتيهم بما ترغبه أنفسهم إذ قد يَظنون أنه نقحَ رأَيه ونخَل مقالَه وأنه سيأتي بما هو الحق الملائم لهم . وتقدم ذكر { سبيل الرشاد } آنفاً .
وأعاد النداء تأكيداً لإِقبالهم إذْ لاحت بوارقه فأكمل مقدمته بتفصيل ما أجمله يذكرهم بأن الحياة الدنيا محدودة بأجل غير طويل ، وأن وراءها حياةً أبدية ، لأنه علم أن أشدّ دفاعهم عن دينهم منبعثٌ عن محبة السيادة والرفاهية ، وذلك من متاع الدنيا الزائل وأن الخير لهم هو العمل للسعادة الأبدية . وقد بنَى هذه المقدمة على ما كانوا عليه من معرفة أن وراء هذه الحياة حياة أبدية فيها حقيقة السعادة والشقاء ، وفيها الجزاء على الحسنات والسّيئات بالنعيم أو العذاب ، إذ كانت ديانتهم تثبت حياة أخرى بعد الحياة الدنيا ولكنها حَرفت معظم وسائل السعادة والشقاوة ، فهذه حقائق مسلّمة عندهم على إجمالها وهي من نوع الأصول الموضوعة في صناعة الجَدل ، وبذلك تمّت مقدمة خطبته وتهيأت نفوسهم لبيان مقصده المفسِّر لإِجمال مقدمته .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
نصح المؤمن لقومه: {وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد} يعني طريق الهدى.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن المؤمن بالله من آل فرعون "وَقالَ الّذي آمَنَ "من قوم فرعون لقومه: "يا قَوْمِ اتّبِعُونِ أهْدِكُمْ سَبِيلَ الرّشادِ" يقول: إن اتبعتموني فقبلتم مني ما أقول لكم، بيّنت لكم طريق الصواب الذي تَرشدُون إذا أخذتم فيه وسلكتموه، وذلك هو دين الله الذي ابتعث به موسى.
اعلم أنه نادى في قومه ثلاث مرات: في المرة الأولى دعاهم إلى قبول ذلك الدين على سبيل الإجمال، وفي المرتين الباقيتين على سبيل التفصيل. أما الإجمال فهو قوله: {يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد} وليس المراد بقوله {اتبعون} طريقة التقليد لأنه قال بعده {أهدكم سبيل الرشاد} والهدى هو الدلالة، ومن بين الأدلة للغير يوصف بأنه هداه، وسبيل الرشاد هو سبيل الثواب والخير وما يؤدي إليه؛ لأن الرشاد نقيض الغي، وفيه تصريح بأن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغي...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
عبر بالفعل إشارة إلى أنه ينبغي لأدنى أهل الإيمان أن لا يحقر نفسه عن الوعظ:
{يا قوم} أي يا من لا قيام لي إلا بهم فأنا غير متهم في نصيحتهم.
{اتبعون} أي كلفوا أنفسكم اتباعي؛ لأن السعادة غالباً تكون فيما يكره الإنسان.
{أهدكم سبيل} أي طريق {الرشاد} أي الهدى؛ لأنه مع سهولته واتساعه موصل ولا بد إلى المقصود.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أمام هذه المراوغة وهذا الاستهتار وهذا الإصرار، ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية صريحة، بعدما دعا القوم إلى اتباعه في الطريق إلى الله، وهو طريق الرشاد وكشف لهم عن قيمة هذه الحياة الزائلة؛ وشوقهم إلى نعيم الحياة الباقية وحذرهم عذاب الآخرة وبين لهم ما في عقيدة الشرك من زيف ومن بطلان...
يعود الرجل المؤمن فيقررها في مواجهة فرعون وملئه، إنه يقول في مواجهة فرعون (يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد).. وقد كان فرعون منذ لحظات يقول: (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فهو التحدي الصريح الواضح بكلمة الحق، لا يخشى فيها سلطان فرعون الجبار، ولا ملأه المتآمرين معه من أمثال هامان وقارون، وزيري فرعون فيما يقال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{اتَّبِعُونِ أَهدِكُم سَبِيلَ الرَّشَادِ} وسبيل الرشاد مجمل، وهو على إجماله مما تتوق إليه النفوس، فربْطُ حصوله باتِّباعهم إيَّاه مما يُقبِل بهم على تلقّي ما يفسر هذا السبيل، ويسترعي أسماعهم إلى ما يقوله؛ إذ لعله سيأتيهم بما ترغبه أنفسهم؛ إذ قد يَظنون أنه نقحَ رأَيه ونخَل مقالَه وأنه سيأتي بما هو الحق الملائم لهم.
وتقدم ذكر {سبيل الرشاد} آنفاً، وأعاد النداء تأكيداً لإِقبالهم؛ إذْ لاحت بوارقه فأكمل مقدمته بتفصيل ما أجمله يذكرهم بأن الحياة الدنيا محدودة بأجل غير طويل، وأن وراءها حياةً أبدية؛ لأنه علم أن أشدّ دفاعهم عن دينهم منبعثٌ عن محبة السيادة والرفاهية، وذلك من متاع الدنيا الزائل وأن الخير لهم هو العمل للسعادة الأبدية. وقد بنَى هذه المقدمة على ما كانوا عليه من معرفة أن وراء هذه الحياة حياة أبدية فيها حقيقة السعادة والشقاء، وفيها الجزاء على الحسنات والسّيئات بالنعيم أو العذاب، إذ كانت ديانتهم تثبت حياة أخرى بعد الحياة الدنيا ولكنها حَرفت معظم وسائل السعادة والشقاوة، فهذه حقائق مسلّمة عندهم على إجمالها وهي من نوع الأصول الموضوعة في صناعة الجَدل، وبذلك تمّت مقدمة خطبته وتهيأت نفوسهم لبيان مقصده المفسِّر لإِجمال مقدمته...