{ 19 - 24 } { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ }
يخبر تعالى أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة اللّه ، وفيما أودعه في فطر عباده . { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى } فاقد البصر { وَالْبَصِير }
ولن يستوي عند الله الإيمان والكفر ، والخير والشر ، والهدى والضلال ؛ كما لا يستوي العمى والبصر ، والظلمة والنور ، والظل والحرور ، والحياة والموت ، وهي مختلفة الطبائع من الأساس :
وما يستوي الأعمى والبصير . ولا الظلمات ولا النور . ولا الظل ولا الحرور . وما يستوي الأحياء ولا الأموات . .
وبين طبيعة الكفر وطبيعة كل من العمى والظلمة والحرور والموت صلة . كما أن هناك صلة بين طبيعة الإيمان وطبيعة كل من النور والبصر والظل والحياة . .
إن الإيمان نور ، نور في القلب ونور في الجوارح ، ونور في الحواس . نور يكشف حقائق الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونسب وأبعاد . فالمؤمن ينظر بهذا النور ، نور الله ، فيرى تلك الحقائق ، ويتعامل معها ، ولا يخبط في طريقه ولا يلطش في خطواته !
والإيمان بصر ، يرى . رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة . ويمضي بصاحبه في الطريق على نور وعلى ثقة وفي اطمئنان .
والإيمان ظل ظليل تستروحه النفس ويرتاح له القلب ، ظل من هاجرة الشك والقلق والحيرة في التيه المظلم بلا دليل !
والإيمان حياة . حياة في القلوب والمشاعر . حياة في القصد والاتجاه . كما أنه حركة بانية . مثمرة . قاصدة . لا خمود فيها ولا همود . ولا عبث فيها ولا ضياع .
والكفر عمى . عمى في طبيعة القلب . وعمى عن رؤية دلائل الحق . وعمى عن رؤية حقيقة الوجود . وحقيقة الإرتباطات فيه . وحقيقة القيم والأشخاص والأحداث والأشياء .
والكفر ظلمة أو ظلمات . فعندما يبعد الناس عن نور الإيمان يقعون في ظلمات من شتى الأنواع والأشكال . ظلمات تعز فيها الرؤية الصحيحة لشيء من الأشياء .
والكفر هاجرة . حرور . تلفح القلب فيه لوافح الحيرة والقلق وعدم الاستقرار على هدف ، وعدم الاطمئنان إلى نشأة أو مصير . ثم تنتهي إلى حر جهنم ولفحة العذاب هناك !
والكفر موت . موت في الضمير . وانقطاع عن مصدر الحياة الأصيل . وانفصال عن الطريق الواصل .
وعجز عن الانفعال والاستجابة الآخذين من النبع الحقيقي ، المؤثرين في سير الحياة !
ولكل طبيعته ولكل جزاؤه ، ولن يستوي عند الله هذا وذاك .
وهنا يلتفت إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه ويسري عنه ، بتقرير حدود عمله وواجبه في دعوة الله . وترك ما تبقى بعد ذلك لصاحب الأمر يفعل به ما يشاء :
( إن الله يسمع من يشاء ، وما أنت بمسمع من في القبور . إن أنت إلا نذير . إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير . وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير . ثم أخذت الذين كفروا . فكيف كان نكير ? ) . .
إن الفوارق أصيلة في طبيعة الكون وفي طبيعة النفس . واختلاف طباع الناس واختلاف استقبالهم لدعوة الله أصيل أصالة الفوارق الكونية في البصر والعمى ، والظل والحرور ، والظلمات والنور ، والحياة والموت . ووراء ذلك كله تقدير الله وحكمته . وقدرته على ما يشاء .
مضمن هذه الآية طعن على الكفرة وتمثيل لهم بالعمى والظلمات وتمثيل المؤمنين بآرائهم بالبصراء والأنوار ، وقوله { ولا النور } ودخول { لا } فيها وفيما بعدها إنما هو على نية التكرار كأنه قال { ولا الظلمات } والنور ، { ولا النور } ولا الظلمات ، فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ودل مذكور الآية على متروكه{[9711]} .
أربعة أمثال للمؤمنين والكافرين ، وللإِيمان والكفر ، شبه الكافر بالأعمى ، والكُفر بالظلمات ، والحرور والكافر بالميّت ، وشبه المؤمن بالبصير وشبه الإِيمان بالنور والظل ، وشبه المؤمن بالحي تشبيه المعقول بالمحسوس . فبعد أن بيّن قلة نفع النذارة للكافرين وأنها لا ينتفع بها غير المؤمنين ضرب للفريقين أمثالاً كاشفة عن اختلاف حاليهما ، وروعي في هذه الأشباه توزيعها على صفة الكافر والمؤمن ، وعلى حالة الكفر والإِيمان ، وعلى أثر الإِيمان وأثر الكفر .
وقدم تشبيه حال الكافر وكفره على تشبيه حال المؤمن وإيمانه ابتداء لأن الغرض الأهم من هذا التشبيه هو تفظيع حال الكافر ثم الانتقالُ إلى حسن حال ضده لأن هذا التشبيه جاء لإِيضاح ما أفاده القصر في قوله : { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } [ فاطر : 18 ] كما تقدم آنفاً من أنه قصر إضافي قصرَ قلب ، فالكافر شبيه بالأعمى في اختلاط أمره بين عقل وجهالة ، كاختلاط أمر الأعمى بين إدراك وعدمه .
والمقصود : أن الكافر وإن كان ذا عقل يدرك به الأمور فإن عقله تمحض لإِدراك أحوال الحياة الدنيا وكان كالعدم في أحوال الآخرة كقوله تعالى : { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } [ الروم : 7 ] ، فحاله المقسم بين انتفاع بالعقل وعدمه يشبه حال الأعمى في إدراكه أشياء وعدم إدراكه .
والعمى يعبر به عن الضلال ، قال ابن رواحة :
أرانا الهدى بعد العَمَى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.