ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه ، والمبادرة إليها فقال : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ } بقلوبكم { وَأَسْلِمُوا لَهُ } بجوارحكم ، إذا أفردت الإنابة ، دخلت فيها أعمال الجوارح ، وإذا جمع بينهما ، كما في هذا الموضع ، كان المعنى ما ذكرنا .
وفي قوله { إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } دليل على الإخلاص ، وأنه من دون إخلاص ، لا تفيد الأعمال الظاهرة والباطنة شيئا . { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ } مجيئا لا يدفع { ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } فكأنه قيل : ما هي الإنابة والإسلام ؟ وما جزئياتها وأعمالها ؟
( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون . واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ) . .
الإنابة . والإسلام . والعودة إلى أفياء الطاعة وظلال الاستسلام . . هذا هو كل شيء . بلا طقوس ولا مراسم ولا حواجز ولا وسطاء ولا شفعاء !
إنه حساب مباشر بين العبد والرب . وصلة مباشرة بين المخلوق والخالق . من أراد الأوبة من الشاردين فليؤب . ومن أراد الإنابة من الضالين ، فلينب . ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم . وليأت . . ليأت وليدخل فالباب مفتوح . والفيء والظل والندى والرخاء : كله وراء الباب لا حاجب دونه ولا حسيب !
وهيا . هيا قبل فوات الأوان . هيا ( من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) . . فما هنالك من نصير . هيا فالوقت غير مضمون . وقد يفصل في الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار . هيا .
{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي ، وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن . { لا تقنطوا من رحمة الله } لا تيأسوا من مغفرته أولا وتفضله ثانيا . { إن الله يغفر الذنوب جميعا } عفوا ولو بعد بعد ، تقييده بالتوبة خلاف الظاهر ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } الآية ، والتعليل بقوله : { إنه هو الغفور الرحيم } على المبالغة وإفادة الحصر والوعد بالرحمة بعد المغفرة ، وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة مما في { عبادي } من الدلالة على الذلة والاختصاص المقتضيين للترحم ، وتخصيص ضرر الإسراف بأنفسهم والنهي عن القنوط مطلقا عن الرحمة فضلا عن المغفرة ، وإطلاقها وتعليله بأن الله يغفر الذنوب جميعا ، ووضع { اسم } موضع الضمير لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق والتأكيد بالجميع . وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " ما أحب أن تكون لي الدنيا وما فيها بها ، فقال رجل يا رسول الله ومن أشرك فسكت ساعة ثم قال : ألا ومن أشرك ثلاث مرات " . وما روي أن أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الوثن وقتل النفس بغير حق لم يغفر له فكيف ولم نهاجر وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس فنزلت . وقيل في عياش والوليد بن الوليد في جماعة افتتنوا أو في الوحشي لا ينفي عمومها وكذا قوله : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } فإنها لا تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبق تعذيب لتغني عن التوبة والإخلاص في العمل وتنافي الوعيد بالعذاب .
لما فَتَح لهم باب الرجاء أَعقبه بالإرشاد إلى وسيلة المغفرة معطوفاً بالواو وللدلالة على الجمع بين النهي عن القنوط من الرحمة وبين الإِنابة جمعاً يقتضي المبادرة ، وهي أيضاً مقتضى صيغة الأمر .
والإِنابة : التوبة ولما فيها وَفي التوبة من معنى الرجوع عُدّي الفِعلان بحرف { إلى } . والمعنى : توبوا إلى الله مما كنتم فيه من الشرك بأن توحدوه .
وعطف عليه الأمر بالإسلام ، أي التصديق بالنبي والقرآن واتباع شرائع الإِسلام .
وفي قوله : مِن قَبلِ أن يأتيكم العذاب } إيذان بوعيد قريب إن لم يُنيبوا ويسلموا كما يلمح إليه فعل { يأتيكم } . والتعريف في العَذَابُ تعريف الجنس ، وهو يقتضي أنهم إن لم يُنيبوا ويسلموا يأتهم العذاب . والعذاب منه ما يحصل في الدنيا إن شاءه الله وهذا خاص بالمشركين ، وأما المسلمون فقد استعاذ لهم منه الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزل : { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } كما تقدم في سورة الأنعام ( 65 ) ، ومن العذاب عذاب الآخرة وهو جزاء الكفر والكبائر .
وهذا الخطاب يأخذ كلُ فريق منه بنصيب ، فنصيب المشركين الإِنابة إلى التوحيد واتّباعُ دين الإِسلام ، ونصيب المؤمنين منه التوبة إذا أسرفوا على أنفسهم والإِكثار من الحسنات وأما الإسلام فحاصل لهم .
والنصر : الإِعانة على الغلبة بحيث ينفلتُ المغلوب من غلبة قاهره كرهاً على القاهر ولا نصير لأحد على الله . وأما الشفاعة لأهل الكبائر فليست من حقيقة النصر المنفي وهذه الفقرة أكثر حظ فيها هو حظ المشركين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم دعاهم إلى التوبة فقال سبحانه: {وأنيبوا إلى ربكم}: وارجعوا من الذنوب إلى الله.
{وأسلموا له} يعني وأخلصوا له بالتوحيد.
ثم خوفهم فقال: {من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون} يعني لا تمنعون من العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وأقبلوا أيها الناس إلى ربكم بالتوبة، وارجعوا إليه بالطاعة له، واستجيبوا له إلى ما دعاكم إليه من توحيده، وإفراد الألوهة له، وإخلاص العبادة له...
وقوله:"وأَسْلِمُوا لَهُ" يقول: واخضعوا له بالطاعة والإقرار بالدين الحنيفي "مِنْ قَبْلِ أنْ يأْتِيَكُمُ العَذابُ "من عنده على كفركم به "ثُمّ لا تُنْصَرُونَ" يقول: ثم لا ينصركم ناصر، فينقذكم من عذابه النازل بكم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
الآية كأنها صلة ما تقدم من قوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} بعد إذ أقبلتم إلى قبول ما دعيتم إليه، ورجعتم عما كان منكم.
{ثم لا تنصرون} هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: {ثم لا تنصرون} بإنابتكم إلى الله عز وجل في ذلك الوقت الذي أقبل عليكم العذاب] أي لا تجابون في ذلك الوقت.
والثاني: {ثم لا تنصرون} بعبادة من عبدتموه من الأصنام والأوثان على رجاء أن يشفع لكم، ويرفع عنكم العذاب.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إنما ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة، وللدلالة على أنها شرط فيها لازم لا تحصل بدونه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وأنيبوا} أي ارجعوا بكلياتكم وكلوا حوائجكم وأسندوا أموركم واجعلوا طريقكم
{إلى} ولفت الكلام إلى صفة الإحسان زيادة في الاستعطاف فقال: {ربكم} أي الذي لم تروا إحساناً إلا وهو منه.
{وأسلموا له} أي أوجدوا إسلام جميع ما ملكه لكم من الأعيان والمعاني متبرئين عنه لأجله، فإنه لو شاء سلبكموه، فإذا لم تكونوا مالكيه ملكاً تاماً فعدوا أنفسكم عارية عنه غير مالكة له ولا قادرة، وكان الذي لكم بالإصالة ما كان.
ولما كان ذلك شديداً؛ لأن الكف عما أشرفت النفس على بلوغ الوطر منه في غاية المرارة، قال مهدداً لهم دالاً بحرف الابتداء على رضاه منهم بإيقاع ما أقر به في اليسير من الزمان؛ لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره باستغراق الزمان في الطاعة وإن كان إبهام الأجل يحدو العاقل على استغراقه فيها.
{من قبل أن يأتيكم} أي وأنتم صاغرون {العذاب} أي القاطع لكل العذوبة المجرّع لكل مرارة وصعوبة.
ولما كان الإنسان ربما توقع ضرراً في إقدامه على ما له فيه لذة، وحاول دفعه، قال معظماً لهذا العذاب مشيراً بأداة التراخي إلى أنه لا يمكن دفعه ولو طال المدى: {ثم لا تنصرون} أي لا يتجدد لكم نوع نصر أبداً...
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
المعنى على ما هو الظاهر: أن الله جمع لعباده بين التبشير العظيم، والأمر بالإنابة إليه والإخلاص له، والاستسلام لأمره، والخضوع لحكمه.
{مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب} أي عذاب الدنيا كما يفيده قوله: {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
الإنابة والإسلام والعودة إلى أفياء الطاعة وظلال الاستسلام، هذا هو كل شيء، بلا طقوس ولا مراسم ولا حواجز ولا وسطاء ولا شفعاء! إنه حساب مباشر بين العبد والرب. وصلة مباشرة بين المخلوق والخالق. من أراد الأوبة من الشاردين فليؤب. ومن أراد الإنابة من الضالين، فلينب. ومن أراد الاستسلام من العصاة فليستسلم. وليأت.. ليأت وليدخل فالباب مفتوح. والفيء والظل والندى والرخاء: كله وراء الباب لا حاجب دونه ولا حسيب! وهيا. هيا قبل فوات الأوان. هيا (من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون).. فما هنالك من نصير. هيا فالوقت غير مضمون. وقد يفصل في الأمر وتغلق الأبواب في أية لحظة من لحظات الليل والنهار.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
التعريف في العَذَابُ تعريف الجنس، وهو يقتضي أنهم إن لم يُنيبوا ويسلموا يأتهم العذاب. والعذاب منه ما يحصل في الدنيا إن شاءه الله وهذا خاص بالمشركين، وأما المسلمون فقد استعاذ لهم منه الرسول صلى الله عليه وسلم حين نزل: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم} كما تقدم في سورة الأنعام (65)، ومن العذاب عذاب الآخرة وهو جزاء الكفر والكبائر.
وهذا الخطاب يأخذ كلُ فريق منه بنصيب، فنصيب المشركين الإِنابة إلى التوحيد واتّباعُ دين الإِسلام، ونصيب المؤمنين منه التوبة إذا أسرفوا على أنفسهم والإِكثار من الحسنات وأما الإسلام فحاصل لهم...
الإنابة: هي التوبة والرجوع إلى ساحة الإيمان بالله إلهاً واحداً لا شريك له. والإسلام: أن تنفذ مطلوبَ الله منك في الأمر والنهي بافعل ولا تفعل.
لكن هل تعني الإنابة أنهم كانوا مع الله ثم انصرفوا عنه إلى الكفر، فيطلب منهم العودة والرجوع إلى ساحة الإيمان مرة أخرى؟ نقول: لا بل معنى الإنابة هنا الرجوع إلى العهد الأول الذي أخذه الله على عباده وهم في عالم الذر، وهم في ظهر آدم عليه السلام، هذا العهد الذي قال الله فيه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].
فالمعنى {وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ} [الزمر: 54] ارجعوا إلى إيمانكم به الإيمانَ الفطري الذي أخذ عليكم العهد به. هذا الإيمان الفطري هو الذي يصحب الإنسان فيستيقظ ضميره بعد المعصية فيتوب أو بعد الكفر فيؤمن، هذا الإيمان الفطري المستقر في قرار النفس البشرية هو الذي ينبهها إنْ غفلت، هذا الإيمان هو الذي نبَّه خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، فآمنوا حينما رجعوا إلى العهد الأول والإيمان الفطري.
{مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} [الزمر: 54] ما معنى النُّصرة هنا والكلام عن الآخرة؟ أي: لا يتناصر أهل الباطل ولا يدافع أحدٌ منهم عن الآخر لا التابع ولا المتبوع، كما قال سبحانه في موضع آخر: {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ} [الصافات: 25-30].
نعم، لا يتناصرون لأن الموقف هنا موقف خصومة ولوم، حيث يُلْقي كل منهم التبعة على الآخر، ويتبرأ كل منهم من الآخر؛ لذلك قال سبحانه: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بالطبع فإنّ السؤال الأوّل مرتبط بالسؤال الثّاني، والجواب عليهما سيتّضح خلال الآيات التالية بصورة جيدة، لأنّ هناك ثلاثة أوامر وردت في الآيات التالية وضحت كلّ شيء (أنيبوا إلى ربّكم) والثّانية (وأسلموا له) والثّالثة (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم).
هذه الأوامر الثّلاثة تقول: إنّ أبواب المغفرة والرحمة مفتوحة للجميع من دون أي استثناء، ولكن شريطة أن يعودوا إلى أنفسهم بعد ارتكاب الذنب، ويتوجهوا في مسيرهم نحو البارئ عز وجل، ويستسلموا لأوامره، ويظهروا صدق توبتهم وإنابتهم بالعمل، وبهذا الشكل فلا الشرك مستثنى من المغفرة ولا غيره، وكما قلنا فإنّ هذا العفو العام والرحمة الواسعة مشروطان بشروط لا يمكن تجاهلها.
وإذا كانت الآية (48) من سورة النساء تستثني المشركين من هذا العفو والرحمة، فإنّها تقصد المشركين الذين ماتوا على شركهم، وليس أُولئك الذين صحوا من غفلتهم واتبعوا سبيل الله، لأنّ أكثر مسلمي صدر الإسلام كانوا كذلك، أي أنّهم تركوا عبادة الأصنام والشرك بالله، وآمنوا بالله الواحد القهار بعد دخولهم الدين الإسلامي.
إذا طالعنا الحالة النفسية عند الكثير من المجرمين بعد ارتكابهم للذنب الكبير، نرى أن حالة من الألم والندم تصيبهم بحيث لا يتصورون بقاء طريق العودة مفتوحاً أمامهم، ويعتبرون أنفسهم ملوثين بشكل لا يمكن تطهيره، ويتساءلون: هل من الممكن أن تغفر ذنوبنا؟ وهل أن الطريق إلى الله مفتوح أمامنا؟ وهل بقي خلفنا جسر غير مدمّر؟
إنّهم يدركون معنى الآية جيداً، ومستعدون للتوبة، ولكنّهم يتصورون استحالة غفران ذنوبهم، خاصّة إذا كانوا قد تابوا مرات عديدة من قبل ثمّ عادوا إلى ارتكاب الذنب مرّة أخرى.
هذه الآية تعطي الأمل للجميع في أنّ طريق العودة والتوبة مفتوح أمامهم. لذا فإنّ (وحشي) المجرم المعروف في التأريخ الإسلامي والذي قتل حمزة سيد الشهداء (عليه السلام)، كان خائفاً من عدم قبول توبته، لأنّ ذنبه كان عظيماً، مجموعة من المفسّرين قالوا: إن هذه الآية عندما نزلت على الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحت أبواب الرحمة الإلهية أمام وحشي التائب وأمثاله!
ولكن لا يمكن أن تكون هذه الحادثة سبب نزول هذه الآية، لأن هذه السورة من السور المكّية، ولم تكن معركة أحد قد وقعت يوم نزول هذه الآيات، ولم تكن أيضاً قصة شهادة حمزة ولا توبة وحشي وإنّما هي من قبيل تطبيق قانون عام على أحد المصاديق، وعلى أية حال فإنّ شمول معنى الآية يمكن أن يشخص هذا المعنى.