فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54)

{ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ } أي ارجعوا إليه بالطاعة لما بشرهم سبحانه بأنه يغفر الذنوب جميعا أمرهم بالرجوع إليه ، بفعل الطاعات ، واجتناب المعاصي وليس في هذا ما يدل على تقييد الآية الأولى بالتوبة ، لا بمطابقة ، ولا تضمن ، ولا التزام ، بل غاية ما فيها أنه بشرهم بتلك البشارة العظمى . ثم دعاهم إلى الخير وخوفهم من الشر على أنه يمكن أن يقال إن هذه الجملة مستأنفة خطابا للكفار الذين لم يسلموا بدليل قوله :

{ وَأَسْلِمُوا لَهُ } جاء بها لتحذير الكفار وإنذارهم بعد ترغيب المسلمين بالآية الأولى ، وتبشيرهم ، وهذا وإن كان بعيدا ولكنه يمكن أن يقال به ، والمعنى على ما هو الظاهر أن الله جمع لعباده بين التبشير العظيم ، والأمر بالإنابة إليه ، والإخلاص له ، والاستسلام لأمره ، والخضوع لحكمه .

وقوله { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ } أي عذاب الدنيا كما يفيده النظم ، فليس في ذلك ما يدل على ما زعمه الزاعمون ، وتمسك به القانطون المقنطون والحمد لله رب العالمين { ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } أي لا تمنعون من العذاب إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب .