الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54)

وقوله : وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } يدل{[59095]} على أن الآية نزلت فيمن هو على غير الإٍسلام ، وأن الإسلام تغفر الذنوب كلها التي اكتسبت في الكفر .

وروى ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم{[59096]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية " . فقال رجل : يا رسول الله ، ومن أشرك ؟ ! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ألا ومن أشرك ( ألا ومن أشرك ){[59097]} – ثلاث مرات " {[59098]} .

وروي عن ابن عمر أنه قال : كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم{[59099]} نقول : إنه ليس من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت هذه الآية : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم }{[59100]} فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا{[59101]} : الكبائر والفواحش . قال : فكنا إذا رأينا من أصاب{[59102]} شيئا منها ، قلنا : قد هلك ، حتى نزلت هذه الآية ٍ { إن الله يغفر الذنوب جميعا } و{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }{[59103]} .

فلما نزلت هذه الآية كففناعن القول في ذلك ، فكنا إذا رأينا{[59104]} أحد أصاب منها شيئا خفنا عليه ، وإن لم يصب منها شيئا رجونا له{[59105]} .

وعن عبد الله بن مسعود أنه قال : القنوط من رحمة الله من الكبائر . واختار الطبري أن / تكون الآية عامة في أهل الإيمان وأهل الشرك لأن الله عز وجل عم المسرفين ولم يخصص به أحد ، فالشرك أعظم الذنوب وهو مغفور مع التوبة منه والرجوع عنه{[59106]} .

وكان ابن عباس يقرأ{[59107]} : ( يغفر الذنوب جميعا لمن شاء ) .

وقد قيل : إن قوله : { يغفر الذنوب جميعا{[59108]} } منسوخ بقوله : ٍ{ ومن يقتل مومنا متعمدا }{[59109]} ، وقيل : بقوله : { إن الله لا يغفر أن يشرك به }{[59110]} .

والصواب أنها محكمة لأنها خبر ، والأخبار لا تنسخ ، والله يغفر كل الذنوب لمن يشاء من المؤمنين ، فلا نسخ فيه{[59111]} .

ومعنى ( لا تقنطوا ) : لا تنسوا .

{ إن الله يغفر الذنوب جميعا } ، أي : يستر على الذنوب كلها بعفوه عن أهلها إذا تابوا منها .

{ إنه هو الغفور } أي : الساتر لذنوب التائبين .

{ الرحيم } بهم أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها .

ثم قال تعالى : { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له } أي : ارجعوا إلى طاعة ربكم ، وأقبلوا على عبادته ، واخضعوا له ، وأجيبوا داعيه .

{ من قبل أن ياتيكم العذاب } على كفركم .

{ ثم لا تنصرون } أي : لا ينصركم ناصر فينقذكم{[59112]} من عذاب الله عز وجل .

والإنابة هنا : الإيمان والتوبة من الكفر .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الإيمان إذا وقع في القلب انفسح له والشرح " . فقيل له : يا رسول الله{[59113]} ، فهل لذلك من آية يعرف بها ؟ فقال{[59114]} : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " {[59115]} .


[59095]:(ع) تدل.
[59096]:هو ثوبان بن يجدد، أبو عبد الله، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل السراة – بين مكة والمدينة – اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه، فلم يزل يخدمه إلى أن مات فخرج ثوبان إلى الشام وتوفي بحمص سنة 54 هـ. انظر: حلية الأولياء 1/180 ت 31، والاستيعاب 1/218 ت 282، والتقريب 1/120 ت 50.
[59097]:ساقط من (ح) ومن كتب الحديث أسفله.
[59098]:أخرجه أحمد في مسنده 5/275 وابن جرير في جامع البيان 24/12. إلا أن لفظ أحمد فيه: (...إلا من أشرك)، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7/100 وأضاف تخريجه إلى الطبراني في الأوسط. ثم قال: (وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن). وقال ابن حجر في الكافي: (وفيه ابن لهيعة عن أبي قبيل، وهما ضعيفان (سورة الزمر الحديث 327. ورمز السيوطي لهذا الحديث في الجامع الصغير بأنه حسن 2/141، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير 5/58 ح 4982، وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة ح 4409. وقال ابن حجر تعقيبا على هذا الحديث وما في معناه: (والمشهور عند أهل السنة أن الذنوب كلها تغفر بالتوبة وبدونها لمن شاء الله، لكن حق الآدمي لا بد رده لصاحبه أو محاللته). انظر: ذلك في فيض القدير 5/411.
[59099]:ساقط من (ع).
[59100]:محمد آية 34.
[59101]:(ح): فقال لنا.
[59102]:ح: أصحاب.
[59103]:النساء: 47 و115.
[59104]:(ح): رأينا. وهو تصحيف.
[59105]:انظر: جامع البيان 24/12.
[59106]:انظر: جامع البيان 24/12.
[59107]:(ح): يقول.
[59108]:ساقط من ح.
[59109]:النساء آية 92.
[59110]:النساء 47 و115.
[59111]:تكرر الحديث عن نسخ قوله تعالى: {يغفر الذنوب جميعا}. انظر: الصفحة 6357.
[59112]:كذا في (ع) و (ح) مهملة ولعل الصواب: (فينقذكم).
[59113]:(ح): يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[59114]:فقال نعم.
[59115]:من تخريجه في الصفحة 6325.