70 - الذين كذَّبوا بالقرآن وبما أرسلنا به رسلنا - جميعاً - من الوحي ، فسوف يعلمون عاقبة تكذيبهم حين تكون الأغلال والسلاسل في أعناقهم ، يجرون بها في الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة ، ثم بعد ذلك يلقون في النار يصطلون حرها ، ثم يقال لهم - توبيخاً وتبكيتاً - : أين معبوداتكم التي كنتم تعبدونها من دون الله ؟ قال الكافرون : غابوا عنا ، بل الحق أننا لم نكن نعبد من قبل في الدنيا شيئاً يعتد به . مثل هذا الإضلال الشنيع يُضل الله الكافرين عن سبيل الحق لعلمه أنهم يؤثرون الضلالة على الهدى .
الذين كذبوا بالكتاب وبما ارسلنا به رسلنا . .
وهم كذبوا كتاباً واحداً . ورسولاً واحداً . ولكنهم إنما يكذبون بهذا كل ما جاء به الرسل . فهي عقيدة واحدة ، تتمثل في أكمل صورها في الرسالة الأخيرة . ومن ثم فهم كذبوا بكل رسالة وبكل رسول . . كل مكذب في القديم والحديث صنع هذا حين كذب رسوله الذي جاءه بالحق الواحد وبعقيدة التوحيد .
وقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون } ظاهر الآية أنها في الكفار المجادلين في رسالة محمد والكتاب الذي جاء به بدليل قوله : { الذين كذبوا بالكتاب } . وهذا قول ابن زيد والجمهور من المفسرين . وقال محمد بن سيرين وغيره ، قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون } هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة ، وروت هذه الفرقة في نحو هذا حديثاً{[10023]} وقالوا هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم ، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعلوا قوله تعالى : { الذين كذبوا } كلاماً مقطوعاً مستأنفاً في الكفار . { الذين } ابتداء وخبره : { فسوف يعلمون } ، ويحتمل أن يكون خبر الابتداء محذوفاً والفاء متعلقة به .
وأبدل { الَّذِينَ كَذَّبُوا بالكتاب } من { الَّذِينَ يجادلون } لأن صلتي الموصولين صادقتان على شيء واحد ، فالتكذيب هو ما صْدَقُ الجدال ، والكتاب : القرآن .
وعَطْف { وَبِمَا أرْسَلنا به رُسُلنا } يجوز أن يكون على أصل العطف مقتضياً المغايرة ، فيكون المراد : وبما أرسلنا به رسلنا من الكتب قبل نزول القرآن ، فيكون تكذيبهم ما أُرسلت به الرسل مراداً به تكذيبهم جميعَ الأديان كقوله تعالى : { وما قدروا اللَّه حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } [ الأنعام : 91 ] ، ويحتمل أنه أريد به التكذيب بالبعث فلعلهم لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بإثبات البعث سألوا عنه أهل الكتاب فأثبتوه فأنكر المشركون جميع الشرائع لذلك .
ويجوز أن يكون عطفَ مرادف ، فائدته التوكيد ، والمراد ب { رسلنا } محمد صلى الله عليه وسلم كقوله : { كذبت قوم نوح المرسلين } [ الشعراء : 105 ] يعني الرسول نوحاً على أن في العطف فائدة زائدة على ما في المعطوف عليه وهي أن مما جاء به الرسول مواعظ وإرشاداً كثيراً ليس من القرآن .
وتفرع على تكذيبهم وعيدهم بما سيلقونه يوم القيامة فقيل فسوف يعلمون ، أي سوف يجدون العذاب الذي كانوا يجادلون فيه فيعلمونه . وعبر عن وجدانهم العذاب بالعلم به بمناسبة استمرارهم على جهلهم بالبعث وتظاهرهم بعدم فهم ما يقوله الرسول فأنذروا بأن ما جهلوه سيتحققونه يومئذٍ كقول الناس : ستعرف منه ما تجهل ، قال أبو علي البصير
فتذم رأيك في الذين خصصتَهم *** دُوني وتَعْرِف منهم ما تجهل
وحذف مفعول { يعلمون } لدلالة { كَذَّبُوا بالكتاب } عليه ، أي يتحققون ما كذبوا به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.