تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ} (22)

ولم تبعث مسيطرًا عليهم ، مسلطًا موكلًا بأعمالهم ، فإذا قمت بما عليك ، فلا عليك بعد ذلك لوم ، كقوله تعالى : { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ} (22)

( لست عليهم بمصيطر ) . . فأنت لا تملك من أمر قلوبهم شيئا . حتى تقهرها وتقسرها على الإيمان . فالقلوب بين أصابع الرحمن ، لا يقدر عليها إنسان .

فأما الجهاد الذي كتب بعد ذلك فلم يكن لحمل الناس على الإيمان . إنما كان لإزالة العقبات من وجه الدعوة لتبلغ إلى الناس . فلا يمنعوا من سماعها . ولا يفتنوا عن دينهم إذا سمعوها . كان إزالة العقبات من طريق التذكير . الدور الوحيد الذي يملكه الرسول .

وهذا الإيحاء بأن ليس للرسول من أمر هذه الدعوة شيء إلا التذكير والبلاغ يتكرر في القرآن لأسباب شتى .

في أولها إعفاء أعصاب الرسول من حمل هم الدعوة بعد البلاغ ، وتركها لقدر الله يفعل بها ما يشاء . فإلحاح الرغبة البشرية بانتصار دعوة الخير وتناول الناس لهذا الخير ، إلحاح عنيف جدا يحتاج إلى هذا الإيحاء المتكرر بإخراج الداعية لنفسه ولرغائبه هذه من مجال الدعوة ، كي ينطلق إلى أدائها كائنة ما كانت الاستجابة ، وكائنة ما كانت العاقبة . فلا يعني نفسه بهم من آمن وهم من كفر . ولا يشغل باله بهذا الهم الثقيل حين تسوء الأحوال من حول الدعوة ، وتقل الاستجابة ، ويكثر المعرضون والمخاصمون .

ومما يدل على إلحاح الرغبة البشرية في انتصار دعوة الله وتذوق الناس لما فيها من خير ورحمة ، هذه التوجيهات المتكررة للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وهو من هو تأدبا بأدب الله ومعرفة لحدوده ولقدر الله . . ومن ثم اقتضى إلحاح هذه الرغبة هذا العلاج الطويل المتكرر في شتى الأحيان . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ} (22)

وقوله : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } أي : فذكر - يا محمد - الناس بما أرسلت به إليهم ، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ؛ ولهذا قال : { لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما : لست عليهم بجبار .

وقال ابن زيد : لست بالذي تكرههم على الإيمان .

قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل " . ثم قرأ : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ }

وهكذا رواه مسلم في كتاب " الإيمان " ، والترمذي والنسائي في كتابي{[30006]} التفسير " من سننيهما ، من حديث سفيان بن سعيد الثوري ، به بهذه الزيادة{[30007]} وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من رواية أبي هريرة ، بدون ذكر هذه الآية{[30008]} .


[30006]:- (1) في أ: "في كتاب".
[30007]:- (2) المسند (3/300) وصحيح مسلم برقم (21) وسنن الترمذي برقم (3341) وسنن النسائي الكبرى برقم (11670).
[30008]:- (3) صحيح البخاري برقم (2946) وصحيح مسلم برقم (21).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ} (22)

وقوله : لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسيْطِرٍ يقول : لست عليهم بمسلّط ، ولا أنت بجبار ، تحملهم على ما تريد . يقول : كِلهم إليّ ، ودعهم وحكمي فيهم يقال : قد تسيطر فلان على قومه : إذا تسلط عليهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ يقول : لست عليهم بجبار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ : أي كِلْ إليّ عبادي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بِمُسَيْطِرٍ قال : جبار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ قال : لست عليهم بمسلط أن تُكرِهِهم على الإيمان ، قال : ثم جاء بعد هذا : جاهِدِ الكُفّارِ والمنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقال اقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ وارصدوهم لا يخرجوا فِي البِلادِ فإنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إنّ اللّهَ غَفورٌ رَحِيمٌ قال : فنسخت لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ قال : جاء اقتله أو يُسْلِمَ قال : والتذكرة كما هي لم تنسخ . وقرأ : فَذَكّرْ فإنّ الذّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتى يَقُولُوا : لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ، فإذَا قالُوا : لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ، عَصَمُوا مِنّي دِماءَهُمْ وأمْوَالَهُمْ ، إلاّ بِحَقّها ، وحِسابُهُمْ على اللّهِ » ثم قرأ : إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم ، قال : سمعت جابر ابن عبد الله ، يقول : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : قال أبو الزّبير : ثم قرأ إنّمَا أنْتَ مُذَكّرٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ .

حدثنا يوسف بن موسى القَطان ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي الزّبير ، عن جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ} (22)

وجملة { لست عليهم بمصيطر } بدل اشتمال من جملة القصر باعتبار جانب النفي الذي يفيده القصر .

والمصيطر : المُجْبِر المُكْرِه .

يقال : صيطر بصاد في أوله ، ويقال : سيطر بسين في أوله والأشهر بالصاد . وتقدم في سورة الطور ( 37 ) : { أم هم المصيطرون } وقرأ بها الجمهور وقرأ هشام عن ابن عامر بالسين وقرأه حمزة بإشمام الصاد صوت الزاي .

ونفي كونه مصيطراً عليهم خبر مستعمل في غير الإِخبار لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لم يكلف بإكراههم على الإِيمان ، فالخبر بهذا النفي مستعمل كناية عن التطمين برفع التبعة عنه من جراء استمرار أكثرهم على الكفر ، فلا نسخ لحكم هذه الآية بآيات الأمر بقتالهم .

ثم جاء وجوب القتال بتسلسل حوادث كان المشركون هم البادئين فيها بالعدوان على المسلمين إذ أخرجوهم من ديارهم ، فشرع قتال المشركين لخضد شوكتهم وتأمين المسلمين من طغيانهم .

ومن الجهلة من يضع قوله : { لست عليهم بمصيطر } في غير موضعه ويحيد به عن مهيعه فيريد أن يتخذه حجة على حرية التدين بين جماعات المسلمين . وشتان بين أحوال أهل الشرك وأحوال جامعة المسلمين . فمن يلحد في الإسلام بعد الدخول فيه يستتاب ثلاثاً فإن لم يتب قتل ، وإن لم يُقدَر عليه فَعَلَى المسلمين أن ينبذوه من جامعتهم ويعاملوه معاملة المحارب . وكذلك من جاء بقول أو عمل يقتضي نبذ الإسلام أو إنكار ما هو من أصول الدين بالضرورة بعد أن يوقف على مآل قوله أو عمله فيلتزمه ولا يتأوله بتأويل مقبول ويأبى الانكفاف .

وتقديم { عليهم } على متعلقه وهو « مسيطر » للرعاية على الفاصلة .