{ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ } قصدهم في حلفهم هذا أنهم { قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } أي : يخافون الدوائر ، وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على أن يبينوا أحوالهم . فيخافون إن أظهروا حالهم منكم ، ويخافون أن تتبرأوا منهم ، فيتخطفهم الأعداء من كل جانب .
وأما حال قوي القلب ثابت الجنان ، فإنه يحمله ذلك على بيان حاله ، حسنة كانت أو سيئة ، ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن ، وحلوا بحلية الكذب .
وبعد أن بينت السورة الكريمة أن هؤلاء المنافقين قد خسروا الدنيا والآخرة ، أتبعت ذلك بالحديث عن رذائلهم وقبائحهم التي على رأسها الجبن والكذب فقال - تعالى - : { وَيَحْلِفُونَ بالله . . . وَهُمْ يَجْمَحُونَ } .
أى : أن هؤلاء المنافقين يحلفون بالله لكم - أيها المؤمنون - " إنهم لمنكم " أى : في الدين والملة ، والحق أنهم ما هم منكم ، لأنهم يظهرون الإِسلام ويخفون الكفر ، فهم كما وصفهم - سبحانه - في قوله : { إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقوله : { ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } استدراك للرد عليهم فيما قالواه وأقسموا عليه كذاب وزروا .
وقوله : { يَفْرَقُونَ } من الفرق ، بمعنى الفزع الشديد من أمر يتوقع حصوله .
يقا : فرق فرقا إذا اشتد خوفه وهلعه .
أى : أن هؤلاء المنافقين لشدة خوفهم وهلعهم - أيها المؤمنون - يحلفون لكم كذبا وزورا بأنهم منكم ، والحق أنهم ما هم منكم ، ولكنهم قوم جبناء . لا يستطيعون مصارحتكم بالعداوة ، ولا يجرؤون على مجابهتكم بما تخفيه قلوبهم لكم به بغضاء
هذه الجملة معطوفة على ما قبلها من أخبار أهل النفاق . وضمائر الجمع عائدة إليهم ، قصد منها إبطال ما يموّهون به على المسلمين من تأكيد كونهم مؤمنين بالقَسم على أنّهم من المؤمنين .
فمعنى : { إنهم لمنكم } أي بعض من المخاطبين ولمّا كان المخاطبون مؤمنين ، كانَ التبعيض على اعتبار اتّصافهم بالإيمان ، بقرينة القَسَم لأنّهم توجّسوا شكّ المؤمنين في أنّهم مثلهم .
واختيار صيغة المضارع في قوله : { ويحلفون } وقوله : { يفرقون } للدلالة على التجدّد وأنّ ذلك دأبهم .
ومقتضى الاستدراك : أن يكون المستدرك أنّهم ليسوا منكم ، أي كافرون ، فحُذف المستدرك استغناء بأداة الإستدراك ، وذُكر ما هو كالجواب عن ظاهر حالهم من الإيمان بأنّه تظاهر باطل وبأنّ الذي دعاهم إلى التظاهر بالإيمان في حال كفرهم : هم أنّهم يفرَقون من المؤمنين ، فحصل إيجاز بديع في الكلام إذ استغني بالمذكور عن جملتين محذوفتين .
وحذف متعلّق { يفرقون } لظهوره ، أي يخافون من عداوة المسلمين لهم وقتالهم إياهم أو إخراجهم ، كما قال تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً } [ الأحزاب : 60 ، 61 ] .
وقوله : { وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون } كلام موجه لصلاحيته لأن يكون معناه أيضاً وما هم منكم ولكنّهم قوم متّصفون بصفة الجُبن ، والمؤمنون من صفتهم الشجاعة والعزّة ، فالذين يفرقون لا يكونون من المؤمنين ، وفي معنى هذا قوله تعالى : { قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } [ هود : 46 ] وقول مساور بن هند في ذمّ بني أسد :
زَعَمتُم أنَّ إخوتـكم قُريش *** لهم إلْفٌ وليس لكم إلاف
أولئك أومِنُوا جُوعاً وخوفاً *** وقد جَاعَتْ بنو أسد وخافوا
فيكون توجيهاً بالثناء على المؤمنين ، وربما كانت الآية المذكورة عقبها أوفق بهذا المعنى . وفي هذه الآية دلالة على أنّ اختلاف الخُلق مانع من المواصلة والموافقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.