التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَٰكِنَّهُمۡ قَوۡمٞ يَفۡرَقُونَ} (56)

وبعد أن بينت السورة الكريمة أن هؤلاء المنافقين قد خسروا الدنيا والآخرة ، أتبعت ذلك بالحديث عن رذائلهم وقبائحهم التي على رأسها الجبن والكذب فقال - تعالى - : { وَيَحْلِفُونَ بالله . . . وَهُمْ يَجْمَحُونَ } .

أى : أن هؤلاء المنافقين يحلفون بالله لكم - أيها المؤمنون - " إنهم لمنكم " أى : في الدين والملة ، والحق أنهم ما هم منكم ، لأنهم يظهرون الإِسلام ويخفون الكفر ، فهم كما وصفهم - سبحانه - في قوله : { إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقوله : { ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } استدراك للرد عليهم فيما قالواه وأقسموا عليه كذاب وزروا .

وقوله : { يَفْرَقُونَ } من الفرق ، بمعنى الفزع الشديد من أمر يتوقع حصوله .

يقا : فرق فرقا إذا اشتد خوفه وهلعه .

أى : أن هؤلاء المنافقين لشدة خوفهم وهلعهم - أيها المؤمنون - يحلفون لكم كذبا وزورا بأنهم منكم ، والحق أنهم ما هم منكم ، ولكنهم قوم جبناء . لا يستطيعون مصارحتكم بالعداوة ، ولا يجرؤون على مجابهتكم بما تخفيه قلوبهم لكم به بغضاء