{ وَالَّذِينَ آمَنُوا } بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } ولا تكون الأعمال صالحة إلا بشرطين : أن تكون خالصة لوجه الله ، متبعا بها سنة رسوله .
فحاصل هاتين الآيتين ، أن أهل النجاة والفوز ، هم أهل الإيمان والعمل الصالح ، والهالكون أهل النار المشركون بالله ، الكافرون به .
وبعد أن ذكر - سبحانه - ما أعد لهؤلاء اليهود وأمثالهم من الكافرين الذين يفترون على الله الكذب ، عقب ذلك ببيان ما أعده - سبحانه - لأهل الإِيمان والتقوى فقال تعالى : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي : والذين آمنوا بالله ورسوله ، وأطاعوا الله فأقاموا حدوده ، وأدوا فرائضه ، واجتنبوا محارمه ، فأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون خلوداً أبدياً ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ردت على اليهود أبلغ رد . حيث كذبتهم في دعواهم أن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة ، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى الجنة ، وأخبرتهم بخلودهم وخلود كل كافر في النار ، وأما الجنة فهي لمن آمن وعمل صالحاً واتبع سبيل المرسلين فهؤلاء أصحابها وهم فيها خالدون .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد ، عن سعيد - أو عكرمة - عن ابن عباس : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي من آمن بما كفرتم به ، وعمل بما تركتم من دينه ، فلهم الجنة خالدين فيها . يخبرهم أن الثواب بالخير والشرّ مقيم على أهله ، لا انقطاع له أبدًا{[2094]} .
{ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُولََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
ويعني بقوله : " وَالّذِينَ آمَنُوا " : أي صدقوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . ويعني بقوله : { وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ } : أطاعوا الله فأقاموا حدوده ، وأدّوا فرائضه ، واجتنبوا محارمه . ويعني بقوله : { أُولَئِكَ الذين هم كذلك أصحَابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ } يعني أهلها الذين هم أهلها هم فيها خالدون ، مقيمون أبدا . وإنما هذه الآية والتي قبلها إخبار من الله عباده عن بقاء النار وبقاء أهلها فيها ، ودوام ما أعدّ في كل واحدة منهما لأهلها ، تكذيبا من الله جل ثناؤه القائلين من يهود بني إسرائيل إن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى الجنة فأخبرهم بخلود كفارهم في النار وخلود مؤمنيهم في الجنة . كما :
حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : { وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَئِكَ أصحَابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ } أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه ، فلهم الجنة خالدين فيها ، يخبرهم أن الثواب بالخير والشرّ مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له أبدا .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ } محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه { أولئك أصحاب الجنة هُمْ فِيها خَالِدُونَ } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم بين مستقر المؤمنين، فقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} لا يموتون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
" وَالّذِينَ آمَنُوا ": أي صدقوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. { وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ}: أطاعوا الله فأقاموا حدوده، وأدّوا فرائضه، واجتنبوا محارمه.
أُولَئِكَ الذين هم كذلك "أصحَابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ": يعني أهلها الذين هم أهلها. "هم فيها خالدون"، مقيمون أبدا. وإنما هذه الآية والتي قبلها إخبار من الله عباده عن بقاء النار وبقاء أهلها فيها، ودوام ما أعدّ في كل واحدة منهما لأهلها، تكذيبا من الله جل ثناؤه القائلين من يهود بني إسرائيل إن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى الجنة فأخبرهم بخلود كفارهم في النار وخلود مؤمنيهم في الجنة... عن ابن عباس: {وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَئِكَ أصحَابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خَالِدُونَ} أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه، فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشرّ مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له أبدا...
[و] قال ابن زيد: {وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ} محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه {أولئك أصحاب الجنة هُمْ فِيها خَالِدُونَ}.
اعلم أنه سبحانه وتعالى ما ذكر في القرآن آية في الوعيد إلا وذكر بجنبها آية في الوعد، وذلك لفوائد:
أحدها: ليظهر بذلك عدله سبحانه، لأنه لما حكم بالعذاب الدائم على المصرين على الكفر وجب أن يحكم بالنعيم الدائم على المصرين على الإيمان،
وثانيها: أن المؤمن لا بد وأن يعتدل خوفه ورجاؤه... وذلك الاعتدال لا يحصل إلا بهذا الطريق،
وثالثها: أنه يظهر بوعده كمال رحمته، وبوعيده كمال حكمته فيصير ذلك سببا للعرفان.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
وفيه دليل على أن الوعد على الإيمان والعمل معا إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر، إلا من آمن فمات ولم يتسع له الوقت للعمل فهو من أهله بمقتضى إيمانه الصحيح وما حال دونه من الآجال عذر لأنه لا ذنب له فيه...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وفي هذا دليل على أن دخول الجنة منوط بالإيمان الصحيح والعمل الصالح معا، كما روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسفيان بن عبد الله الثقفي، وقد قال له: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: قل آمنت بالله، ثم استقم). رواه مسلم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ولا تكون الأعمال صالحة إلا بشرطين: أن تكون خالصة لوجه الله، متبعا بها سنة رسوله...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فمن مقتضيات الإيمان أن ينبثق من القلب في صورة العمل الصالح.. وهذا ما يجب أن يدركه من يدعون الإيمان.. وما أحوجنا -نحن الذين نقول أنا مسلمون- أن نستيقن هذه الحقيقة: أن الإيمان لا يكون حتى ينبثق منه العمل الصالح. فأما الذين يقولون: إنهم مسلمون ثم يفسدون في الأرض، ويحاربون الصلاح في حقيقته الأولى وهي إقرار منهج الله في الأرض، وشريعته في الحياة، وأخلاقه في المجتمع، فهؤلاء ليس لهم من الإيمان شيء، وليس لهم من ثواب الله شيء، وليس لهم من عذابه واق ولو تعلقوا بأماني كأماني اليهود التي بين الله لهم وللناس فيها هذا البيان...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن الإيمان كالبذر الطيب الذي يلقى في الأرض لا بد له من سقي ورعي وجو صالح ينمو فيه ويزكو، ولا يكون ذلك إلا بالعمل بموجب الإيمان، والإيمان من غير عمل كالبذر من غير إنتاج، وإنه يجف بل يموت إن لم يسق بالعمل، ولذلك لا يؤكد القرآن على الإيمان وحده بل يكون معه العمل الصالح، وهو العمل الذي يكون صالحا مصلحا للنفس وللناس، فيه استجابة لداعي الإيمان وكثيرا ما ذكر العمل بوصف الصالح من غير أن نبين ما هو العمل الصالح، وذلك ليضمن كل ما فيه خير للإنسان في الآحاد، والجماعات والأقاليم والإنسانية كلها، وذلك مع القيام بالعبادات من صلاة وصوم وحج وزكاة، وتعاون اجتماعي في الأسرة والجماعة والدولة، والإنسانية عامة...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
ينبغي للعاملين في حقل التوعية والدعوة الإسلامية، أن يركزوا على هذا الجانب في المفهوم الإسلامي الأصيل للقرب من اللّه والبعد عنه، فلا يسمحوا للامتيازات الطارئة التي توزع الجنّة والنّار بين النّاس على أساس أنسابهم حتى ولو كان النسب مرتبطاً برسول اللّه أو على أساس انتماءاتهم المذهبية من دون أن يكون لذلك أيُّ أثر في سلوكهم العملي وتطلّعاتهم الروحية، لأنَّ ذلك يتنافى مع المفهوم القرآني، الذي يُعتبر الأساس في صحة أيّ مفهوم وفساده، فإذا كان القرآن يطرح القضية في موقع الإيمان والعمل، فكيف يمكن أن نجرّد المقياس من العمل فنعتبره ثانوياً ونبقي على جانب الإيمان وحده؟! ثُم هل يمكن أن نكتشف الإيمان الحقّ إلاَّ من خلال العمل؟! أمّا ما يُخيّل وجوده لدى بعض النّاس من عاطفةٍ إيمانية، إزاء بعض المقدسات أو الروحيات، فإنها قد تدخل في نطاق التربية العاطفية، التي يعيشها الإنسان في طفولته أو في بيئته، بعيداً عن جانب العقيدة عنده...