اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (82)

اعلم أنه سبحانه وتعالى ما ذكر في القرآن آية وعيد إلا وذكر في جنبها آية وَعْد ، وذلك لفوائد :

أحدها : أن يظهر سبحانه بذلك عدله ؛ لأنه لما حكم بالعذاب الدائم على المصّرين على الكفر ، وجب أن يحكم بالنَّعيم الدائم على المصرين على الإيمان .

وثانيها : أنّ المؤمن لا بد وأن يعتدل خوفه ورجاؤه على ما قال عليه الصلاة والسلام : " المُؤْمِنُ لَوْ وُزِنَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤهُ لاَعْتَدَلاَ " وذلك الاعتدال لا يحصل إلا بهذا الطريق .

وثالثها : أن يظهر بوعده كمال رحمته وبوعيده كمال حِكْمته ، فيصير ذلك سبباً [ للعرفان ] .

فإن قيل : دلّت الآية على أنْ العمل الصالح خارج عن الإيمان ؛ لأنه لو دلّ الإيمان على العمل الصالح لعد الإيمان تكريراً .

أجاب القاضي : بأن الإيمان وإن كان يدخل فيه جميع الأعمال الصالحة إلاّ أن قوله : " آمن " لا يفيد إلا أنه فعل فعلاً واحداً من أفعال الإيمان ، فلهذا حسن أن يقول : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } .

والجواب : أن فعل الماضي يدلّ على حصول المصدر في زمان معين والإيمان هو المصدر فلو دلّ ذلك على جميع الأعمال الصالحة لكان قوله : " آمَنَ " دليلاً على صدور كل تلك الأعمال منه .

فصل في مرتكب الكبيرة

هذه الآية تدلّ على أن صاحب الكبيرة قد يدخل الجنة ؛ لأنه أتى بالإيمان والأعمال الصالحات ، ثم أتى بعد ذلك بالكبيرة ، ولم يَتُبْ عنها ، فهذا الشَّخص قبل إتيانه بالكبيرة كان قد صدق عليه أنه آمن ، وعمل الصالحات [ في ذلك الوقت ، ومن صدق عليه ذلك صدق عليه أنه آمن وعمل الصالحات ] وإذا صدق عليه ذلك وجب اندراجه تحت قوله : { أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

فإن قيل قوله تعالى : " وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " لا يصدق عليه إلا إذا أتى بجميع [ الأعمال ] ، ومن جملة الصَّالحات التوبة ، فإذا لم يأت بها لم يكن آتياً بالصالحات ، فلا يندرج تحت [ الآية ] .

قلنا : [ لو سلمنا أنه قبل ] الإتْيَان بالكبيرة [ صدق ] عليه أنه آمن وعمل الصالحات [ لأنه متى صدق المركب يجب صدق المفرد ، بل إنه إذا أتى بالكبيرة لم يصدق عليه أنه آمن وعمل الصالحات ] في كل الأوقات ، لكن قولنا : آمن وعمل الصالحات أعم من قولنا : إنه كذلك في كل الأوقات ، أو في بعض الأوقات ، والمعتبر في الآية هو القَدْرُ المشترك ، فثبت أنه مندرج تحت حكم الوَعْدِ .