ثم ذكر ما يترتب على تقواه ، وقول القول السديد فقال : { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي : يكون ذلك سببًا لصلاحها ، وطريقًا لقبولها ، لأن استعمال التقوى ، تتقبل به الأعمال كما قال تعالى : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }
ويوفق فيه الإنسان للعمل الصالح ، ويصلح اللّه الأعمال [ أيضًا ] بحفظها عما يفسدها ، وحفظ ثوابها ومضاعفته ، كما أن الإخلال بالتقوى ، والقول السديد سبب لفساد الأعمال ، وعدم قبولها ، وعدم تَرَتُّبِ آثارها عليها .
{ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أيضًا { ذُنُوبَكُمْ } التي هي السبب في هلاككم ، فالتقوى تستقيم بها الأمور ، ويندفع بها كل محذور ولهذا قال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
{ يُصْلِحْ } الله - تعالى - { لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } بأن يجعلها مقبولة عنده { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } التى فرطت منكم ، بأن بمحوها عنكم ببركة استقامتكم فى أقوالكم وأفعالكم .
{ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ } فى كل الأقوال والأعمال { فَقَدْ فَازَ } فى الدارين { فَوْزاً عَظِيماً } لا يقادر قدره ، ولا يعلم أحد كنهه وعلو منزلته .
ويوجههم إلى القول الصالح الذي يقود إلى العمل الصالح . فالله يرعى المسددين ويقود خطاهم ويصلح لهم أعمالهم جزاء التصويب والتسديد . والله يغفر لذوي الكلمة الطيبة والعمل الصالح ؛ ويكفر عن السيئة التي لا ينجو منها الآدميون الخطاءون . ولا ينقذهم منها إلا المغفرة والتكفير .
( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) . .
والطاعة بذاتها فوز عظيم . فهي استقامة على نهج الله . والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة . والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح الواصل سعادة بذاته ، ولو لم يكن وراءه جزاء سواه . وليس الذي يسير في الطريق الممهود المنير وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يعاديه ويصادمه ويؤذيه ! فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها ؛ وهي الفوز العظيم ، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم . أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة . فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل . والله يرزق من يشاء بغير حساب
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله: "يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالَكُمْ "يقول تعالى ذكره للمؤمنين: اتقوا الله وقولوا السداد من القول، يوفقكم لصالح الأعمال، فيصلح أعمالكم "وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ: يقول: ويعف لكم عن ذنوبكم، فلا يعاقبكم عليها.
"وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ "فيعمل بما أمره به، وينتهي عما نهاه، ويقل السديد "فَقَدْ فازَ فَوْزا عَظِيما" يقول: فقد ظفر بالكرامة العظمى من الله.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} فيه وجهان: أحدهما: يصلحها بالقبول. الثاني: بالتوفيق.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(ويغفر لكم ذنوبكم) أي: يسترها ويعف عنها.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وهذه الآية مقرّرة للتي قبلها، بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه على الأمر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان؛ ليترادف عليهم النهي والأمر، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام، وإتباع الأمر الوعد البليغ فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه.
... طاعة الله هي طاعة الرسول، ولكن جمع بينهما لبيان شرف فعل المطيع فإنه يفعله الواحد اتخذ عند الله عهدا وعند الرسول يدا.
{فقد فاز فوزا عظيما} جعله عظيما من وجهين؛
أحدهما: أنه من عذاب عظيم والنجاة من العذاب تعظم بعظم العذاب.
والثاني: أنه وصل إلى ثواب كثير وهو الثواب الدائم الأبدي.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{فقد فاز فوزا عظيما} يعيش في الدنيا حميدا في الآخرة سعيدا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يصلح لكم أعمالكم} أي بأن يدخلكم في العمل الصالح وأنتم لا تعلمون ما ينبغي من كيفيته، فيبصركم بها شيئاً فشيئاً ويوفقكم للعمل بما جلاه لكم حتى تكونوا على أتم وجه وأعظمه وأرضاه وأقومه ببركة قولكم الحق على الوجه الحسن الجميل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويوجههم إلى القول الصالح الذي يقود إلى العمل الصالح، فالله يرعى المسددين ويقود خطاهم ويصلح لهم أعمالهم جزاء التصويب والتسديد، والله يغفر لذوي الكلمة الطيبة والعمل الصالح؛ ويكفر عن السيئة التي لا ينجو منها الآدميون الخطاؤون، ولا ينقذهم منها إلا المغفرة والتكفير.
(ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).. والطاعة بذاتها فوز عظيم. فهي استقامة على نهج الله. والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة. والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح الواصل سعادة بذاته، ولو لم يكن وراءه جزاء سواه؛ وليس الذي يسير في الطريق الممهود المنير، وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون، كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يعاديه ويصادمه ويؤذيه!
فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم. أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة، فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل، والله يرزق من يشاء بغير حساب.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} لأن الله يغفر للسائرين في طريق الرشاد والسداد الذي هو الطريق إليه، فإذا انحرفوا في بعض المراحل أو أخطأوا في بعض الأعمال، ثم استقاموا على الطريق وأصابوا في مضمون العمل، ذكر الله لهم جهدهم في الحق وإخلاصهم له فغفر لهم ذلك كله.