{ 56 - 57 } { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
يأمر تعالى بإقامة الصلاة ، بأركانها وشروطها وآدابها ، ظاهرا وباطنا ، وبإيتاء الزكاة من الأموال التي استخلف الله عليها العباد ، وأعطاهم إياها ، بأن يؤتوها الفقراء وغيرهم ، ممن ذكرهم الله لمصرف الزكاة ، فهذان أكبر الطاعات وأجلهما ، جامعتان لحقه وحق خلقه ، للإخلاص للمعبود ، وللإحسان إلى العبيد ، ثم عطف عليهما الأمر العام ، فقال : { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ْ } وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } { لَعَلَّكُمْ } حين تقومون بذلك { تُرْحَمُونَ } فمن أراد الرحمة ، فهذا طريقها ، ومن رجاها من دون إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وإطاعة الرسول ، فهو متمن كاذب ، وقد منته نفسه الأماني الكاذبة .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أهم أركان هذه العبادة فقال : { وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الرسول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } .
أى : واظبوا - أيها المؤمنون - على إخلاص العبادة لله - تعالى - وأدوا الصلاة فى أوقاتها بخشوع وإحسان ، وقدموا الزكاة للمستحقين لها ، وأطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة تامة ، لعلكم بسبب هذه العبادة والطاعة ، تنالون رحمة الله - تعالى - ورضوانه .
لذلك يعقب على هذا الوعد بالأمر بالصلاة والزكاة والطاعة ، وبألا يحسب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وأمته حسابا لقوة الكافرين الذين يحاربونهم ويحاربون دينهم الذي ارتضى لهم :
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون . لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض . ومأواهم النار ولبئس المصير ) . .
فهذه هي العدة . . الاتصال بالله ، وتقويم القلب بإقامة الصلاة . والاستعلاء على الشح ، وتطهير النفس والجماعة بإيتاء الزكاة . وطاعة الرسول والرضى بحكمه ، وتنفيذ شريعة الله في الصغيرة والكبيرة ، وتحقيق النهج الذي أراده للحياة : ( لعلكم ترحمون )في الأرض من الفساد والانحدار والخوف والقلق والضلال ، وفي الآخرة من الغضب والعذاب والنكال .
فإذا استقمتم على النهج ، فلا عليكم من قوة الكافرين . فما هم بمعجزين في الأرض ، وقوتهم الظاهرة لن تقف لكم في طريق . وأنتم أقوياء بإيمانكم ، أقوياء بنظامكم ، أقوياء بعدتكم التي تستطيعون . وقد لا تكونون في مثل عدتهم من الناحية المادية . ولكن القلوب المؤمنة التي تجاهد تصنع الخوارق والأعاجيب .
إن الإسلام حقيقة ضخمة لا بد أن يتملاها من يريد الوصول إلى حقيقة وعد الله في تلك الآيات . ولا بد أن يبحث عن مصداقها في تاريخ الحياة البشرية ، وهو يدرك شروطها على حقيقتها ، قبل أن يتشكك فيها أو يرتاب ، أو يستبطى ء وقوعها في حالة من الحالات .
إنه ما من مرة سارت هذه الأمة على نهج الله ، وحكمت هذا النهج في الحياة ، وارتضته في كل أمورها . . إلا تحقق وعد الله بالاستخلاف والتمكين والأمن . وما من مرة خالفت عن هذا النهج إلا تخلفت في ذيل القافلة ، وذلت ، وطرد دينها من الهيمنة على البشرية ؛ واستبد بها الخوف ؛ وتخطفها الأعداء .
ألا وإن وعد الله قائم . ألا وإن شرط الله معروف . فمن شاء الوعد فليقم بالشرط . ومن أوفى بعهده من الله ?
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بإقام الصلاة ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له ، وإيتاء الزكاة ، وهي : الإحسان إلى المخلوقين ضعفائهم وفقرائهم ، وأن يكونوا في ذلك مطيعين للرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، أي : سالكين وراءه فيما به أمرهم ، وتاركين{[21342]} ما عنه زجرهم ، لعل الله يرحمهم بذلك . ولا شك أن من فعل ذلك أن الله سيرحمهم ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : { أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ } [ التوبة : 71 ] .
عطف على جملة : { يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } [ النور : 55 ] لما فيها من معنى الأمر بترك الشرك ، فكأنه قيل : اعبدوني ولا تشركوا وأقيموا الصلاة ، لأن الخبر إذا كان يتضمن معنى الأمر كان في قوة فعل الأمر حتى أنه قد يجزم جوابه كما في قوله تعالى : { تؤمنون بالله ورسوله } إلى قوله : { يغفرْ لكم ذنوبكم } [ الصفّ : 11 12 ] بجزم { يغفرْ } لأن قوله : { تؤمنون } في قوة أن يقول : آمنوا بالله .
والخطاب موجه للذين آمنوا خاصة بعد أن كان موجهاً لأمة الدعوة على حد قوله تعالى : { يوسفُ أعرِضْ عن هذا واستغفري لذنبك } [ يوسف : 29 ] ، فالطاعة المأمور بها هنا غير الطاعة التي في قوله : { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا } [ النور : 54 ] الخ لأن تلك دعوة للمعرضين وهذه ازدياد للمؤمنين .
وقد جمعت هذه الآية جميع الأعمال الصالحات فأهمها بالتصريح وسائرها بعموم حذف المتعلق بقوله : { وأطيعوا الرسول } أي في كل ما يأمركم وينهاكم .
ورتب على ذلك رجاء حصول الرحمة لهم ، أي في الدنيا بتحقيق الوعد الذي من رحمته الأمن وفي الآخرة بالدرجات العلى . والكلام على ( لعل ) تقدم في غير موضع في سورة البقرة .