المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

50- فقل لهم - أيها النبي - : لو كنتم حجارة لا تقبل الحياة بحال ، أو حديداً وهو أصلب من الحجارة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

{ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ } أي : يعظم { فِي صُدُورِكُمْ } لتسلموا بذلك على زعمكم من أن تنالكم قدرة الله أو تنفذ فيكم مشيئته ، فإنكم غير معجزي الله في أي حالة تكونون وعلى أي وصف تتحولون ، وليس لكم في أنفسكم تدبير في حالة الحياة وبعد الممات .

فدعوا التدبير والتصريف لمن هو على كل شيء قدير وبكل شيء محيط .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

وقوله - سبحانه - : { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } أمر من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم فيما استبعدوه وأنكروه من إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل الرد على استبعادهم ، والتحقير من شأنهم ، والتعجيز لهم : { كونوا } - إن استطعتم - { حجارة } كالتى تعبدونها من دون الله ، { أو حديدا } كالذى تستعملونه فى شئون حياتكم ، { أو } كونوا { خلقا } أى : مخلوقا سوى الحجارة والحديد { مما يكبر } أى : يعظم ويستبعد - { فى صدوركم } المظلمة - قبوله للحياة ، قل لهم : كونوا أى شئ من ذلك أو غيره إن استطعتم ، فإن الله - تعالى - لا يعجزه أن يعيدكم إلى الحياة مرة أخرى ، لكى يحاسبكم على أعمالكم ، ويجازيكم عليها بما تستحقون من عقاب .

فالمقصود من الجملة الكريمة ، بيان أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها شئ . .

قال الجمل : أجابهم الله - تعالى - بما معناه : تحولوا بعد الموت إلى أى صفة تزعمون أنها أشد منافاة للحياة ، وأبعد عن قبولها ، كصفة الحجرية والحديدية ونحوهما . فليس المراد الأمر ، بل المراد أنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله - تعالى - عن الإِعادة .

وقوله - تعالى - : { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا } أى : فسيقولون لك - أيها الرسول الكريم - من يعيدنا إلى الحياة مرة أخرى بعد أن نكون حجارة أو حديدا أو غيرهما ؟ .

وقوله - سبحانه - : { قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } رد على جهالاتهم وإنكارهم للبعث والحساب .

أى : قل لهم : الله - تعالى - الذى فطركم وخلقكم ، أول مرة ، على غير مثال سابق ، قادر على أن يعيدكم الى الحياة مرة أخرى . كما قال - تعالى - : { وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المثل الأعلى فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم } ثم بين - سبحانه - ما يكون منهم من استهزاء وسوء أدب عندما يسمعون من الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الإِجابات السديدة ، فقال : { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ متى هُوَ . . . } .

أى : فسيحركون إليك رءوسهم عندما يسمعون ردك عليهم ، ويقولون على سبيل الاستهزاء والسخرية والتكذيب : متى هو ؟ أى ما ذكرته من الإِعادة بعد الموت ، أو متى هو ذلك اليوم الذى سنعود فيه إلى الحياة بعد أن نصير عظاما ورفاتا .

فالجملة الكريمة تصور تصويرا بليغا ما جبلوا عليه من تكذيب بيوم القيامة ومن استهزاء بمن يذكرهم بأحوال ذلك اليوم العصيب . ومن استبعاد لحصوله كما قال - تعالى - : حكاية عنهم فى آية أخرى : { وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وقوله - تعالى - : { قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيباً } تذييل قصد به التهديد والوعيد لهم .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التأنيب والوعيد : عسى هذا اليوم الذى تستبعدون حصوله ، يكون قريبا جدا وقوعه .

ولا شك فى أنه قريب ، لأن عسى فى كلام الله - تعالى - لما هو محقق الوقوع ، وكل ما هو محقق الوقوع فهو قريب ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " - وأشار بالسبابة والوسطى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

40

وكان الرد على ذلك التعجب :

( قل : كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) . .

والعظام والرفات فيها رائحة البشرية وفيها ذكرى الحياة ؛ والحديد والحجارة أبعد عن الحياة . فيقال لهم :

كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا آخر أو غل في البعد عن الحياة من الحجارة والحديد مما يكبر في صدوركم أن تتصوروه وقد نفخت فيه الحياة . . فسيبعثكم الله .

وهم لا يملكون أن يكونوا حجارة أو حديدا أو خلقا آخر ولكنه قول للتحدي . وفيه كذلك ظل التوبيخ والتقريع ، فالحجارة والحديد جماد لا يحس ولا يتأثر ، وفي هذا إيماء من بعيد إلى ما في تصورهم من جمود وتحج !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

وهكذا أمر رسوله ههنا{[17582]} أن يجيبهم فقال : { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا } وهما{[17583]} أشد امتناعا من العظام والرفات .


[17582]:في ف: "هنا".
[17583]:في ف: "إذا هما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مّمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الّذِي فَطَرَكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىَ هُوَ قُلْ عَسَىَ أَن يَكُونَ قَرِيباً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمكذّبين بالبعث بعد الممات من قومك القائلين أئِذَا كُنّا عِظاما وَرُفاتا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا : كونوا إن عجبتم من إنشاء الله إياكم ، وإعادته أجسامكم ، خلقا جديدا بعد بِلاكم في التراب ، ومصيركم رُفاتا ، وأنكرتم ذلك من قُدرته حجارة أو حديدا ، أو خلقا مما يكبر في صدوركم إن قدرتم على ذلك ، فإني أحييكم وأبعثكم خلقا جديدا بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أوّل مرّة .

واختلف أهل التأويل في المعنىّ بقوله أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فقال بعضهم : عُنِي به الموت ، وأريد به : أو كونوا الموت ، فإنكم إن كنتموه أمتّكم ثم بعثتكم بعد ذلك يوم البعث . ذكر من قال ذلك :

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية ، عن ابن عمر أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قال : الموت ، قال : لو كنتم موتى لأحييتكم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ يعني الموت . يقول : إن كنتم الموت أحييتكم .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو مالك الجنبي ، قال : حدثنا ابن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قال : الموت .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا سليمان أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قال : الموت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال سعيد بن جبير ، في قوله : أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ كونوا الموت إن استطعتم ، فإن الموت سيموت قال : وليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من الموت .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني ، عن سعيد بن جبير ، قال : هو الموت .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول : «يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح حتى يُجعل بين الجنة والنار ، فينادى مناد يُسمِع أهلَ الجنة وأهل النار ، فيقول : هذا الموت قد جئنا به ونحن مهلكوه ، فأيقنوا يا أهل الجنة وأهل النار أن الموت قد هلك » .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ يعني الموت ، يقول : لو كنتم الموت لأمتكم .

وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إن الله يجيء بالموت يوم القيامة ، وقد صار أهل الجنة وأهل النار إلى منازلهم ، كأنه كبش أملح ، فيقف بين الجنة والنار ، فينادي أهل الجنة وأهل النار هذا الموت ، ونحن ذابحوه ، فأيقنوا بالخلود .

وقال آخرون : عنى بذلك السماء والأرض والجبال . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قال : السماء والأرض والجبال .

وقال آخرون : بل أريد بذلك : كونوا ما شئتم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد كُونُوا حِجارَةً أوْ حَدِيدا أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قال : ما شئتم فكونوا ، فسيعيدكم الله كما كنتم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيدا أوْ خَلْقا مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قال : من خلق الله ، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم يوم القيامة خلقا جديدا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره قال : أوْ خَلْقا ممّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ، وجائز أن يكون عنى به الموت ، لأنه عظيم في صدور بني آدم وجائز أن يكون أراد به السماء والأرض وجائز أن يكون أراد به غير ذلك ، ولا بيان في ذلك أبين مما بين جلّ ثناؤه ، وهو كلّ ما كبر في صدور بني آدم من خلقه ، لأنه لم يخصص منه شيئا دون شيء .

وأما قوله : فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا فإنه يقول : فسيقول لك يا محمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بالاَخرة مَنْ يُعِيدُنا خلقا جديدا ، إن كنا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدورنا ، فقل لهم : يعيدكم الّذِي فَطَرَكُمْ أوّلَ مَرّةٍ يقول : يعيدكم كما كنتم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء ، الذي خلقكم إنسا من غير شيء أوّل مرّة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قُلِ الّذِي فَطَرَكُمْ أوّلَ مَرّةٍ أي خلقكم فَسَيُنْغَضُونَ إلَيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول : فإنك إذا قلت لهم ذلك ، فسيهزّون إليك رءوسهم برفع وخفض وكذلك النّغْض في كلام العرب ، إنما هو حركة بارتفاع ثم انخفاض ، أو انخفاض ثم ارتفاع ، ولذلك سمي الظليم نَغْضا ، لأنه إذا عجل المشي ارتفع وانخفض ، وحرّك رأسه ، كما قال الشاعر :

*** أسكّ نَغْضا لا يَنِي مُسْتَهْدِجا ***

ويقال : نَغَضَت سنه : إذا تحرّكت وارتفعت من أصلها ومنه قول الراجز :

*** نَغَضَتْ مِنْ هَرِمٍ أسْنانُها ***

وقول الاَخر :

*** لمّا رأتْنِي أنْغَضَتْ ليَ الرأسا ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَسَيُنْغِضُونَ إلَيْكَ رُءُوسَهُمْ أي يحرّكون رءوسهم تكذيبا واستهزاء .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَسَيُنْغِضُونَ إلَيْكَ رُءُوُسَهُمْ قال : يحرّكون رءوسهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله فَسَيُنْغِضُونَ إلَيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول : سيحركونها إليك استهزاء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراسانيّ ، عن ابن عباس فسَيُنْغِضُونَ إلَيْكَ رُءُوسَهُمْ قال : يحرّكون رءوسهم يستهزءون ويقولون متى هو .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فسَيُنْغِضُونَ إلَيْكَ رُءُوسَهُمْ يقول : يهزؤون .

وقوله : وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ يقول جلّ ثناؤه : ويقولون متى البعث ، وفي أيّ حال ووقت يعيدنا خلقا جديدا ، كما كنا أوّل مرّة ؟ قال الله عزّ وجلّ لنبيه : قل لهم يا محمد إذ قالوا لك : متى هو ، متى هذا البعث الذي تعدنا ؟ : عسى أن يكون قريبا وإنما معناه : هو قريب ، لأن عسى من الله واجب ، ولذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «بُعِثْتُ أنا والسّاعَةُ كَهاتَيْن ، وأشار بالسّبابة والوُسطَى » ، لأن الله تعالى كان قد أعلمه أنه قريب مجيب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

وقوله تعالى : { قل كونوا حجارة أو حديداً } الآية ، المعنى : قل لهم يا محمد كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتي ، لا بد من بعثكم ، وقوله { كونوا } هو الذي يسميه المتكلمون التعجيز من أنواع لفظة افعل ، وبهذه الآية مثل بعضهم ، وفي هذا عندي نظر : وإنما التعجيز حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب ، كقوله تعالى : { فادرؤوا عن أنفسكم الموت }{[7593]} ، ونحوه ، وأما هذه الآية ، فمعناها : كونوا بالتوهم والتقدير كذا وكذا ، الذي فطركم كذلك ، هو يعيدكم .


[7593]:من الآية (168) من سورة (آل عمران).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

جواب عن قولهم : { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً } [ الإسراء : 49 ] . أمر الله رسوله بأن يجيبهم بذلك .

وقرينة ذلك مقابلةُ فعل { كنا } [ الإسراء : 49 ] في مقالهم بقوله : { كونوا } ، ومقابلة { عظاماً ورفاتاً } في مقالهم بقوله : { حجارة أو حديداً } الخ ، مقابلة أجسام واهية بأجسام صُلبة . ومعنى الجواب أن وهن الجسم مساوٍ لصلابته بالنسبة إلى قدرة الله تعالى على تكييفه كيف يشاء .

لهذا كانت جملة { قل كونوا حجارة } الخ غير معطوفة ، جرْياً على طريقة المحاورات التي بينتُها عند قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة [ البقرة : 30 ] .

وإن كان قوله : { قل } ليسَ مبدأ محاورة بل المحاورة بالمقول الذي بعده ؛ ولكن الأمر بالجواب أعطي حكم الجواب فلذلك فصلت جملة { قل } .

واعلم أن ارتباطَ رد مقالتهم بقوله : { كونوا حجارة } الخ غامض ، لأنهم إنما استبعدوا أو أحالوا إرجاعَ الحياة إلى أجسام تَفرّقت أجزاؤُها وانخرم هيكلها ، ولم يعللوا الإحالة بأنها صارت أجساماً ضعيفة ، فيرد عليهم بأنها لو كانت من أقوى الأجسام لأعيدت لها الحياة .

فبنا أن نبين وجه الارتباط بين الرد على مقالتهم وبين مقالتهم المردودة ، وفي ذلك ثلاثة وجوه :

أحدها : أن تكون صيغة الأمر في قوله : { كونوا } مستعملة في معنى التسوية ، ويكون دليلاً على جوابٍ محذوف تقديره : إنكم مبعوثون سَواء كنتم عظاماً ورُفاتاً أو كنتم حجارة أو حديداً ، تنبيهاً على أن قدرة الله تعالى لا يتعاصى عليها شيء . وذلك إدماج يجعل الجملة في معنى التذييل .

الوجه الثاني : أن تكون صيغة الأمر في قوله : { كونوا } مستعملة في الفرض ، أي لو فُرض أن يكون الأجساد من الأجسام الصلبة وقيل لكم : إنكم مبعوثون بعد الموت لأحلتم ذلك واستبعدتم إعادة الحياة فيها . وعلى كلا الوجهين يكون قوله : { مما يكبر في صدوركم } نهايةَ الكلام ، ويكون قوله : { فسيقولون من يعيدنا } مفرعاً على جملة { وقالوا أئذا كنا } [ الإسراء : 49 ] الخ تفريعاً على الاستئناف . وتكون الفاء للاستئناف وهي بمعنى الواو على خلاف في مجيئها للاستئناف ، والكلام انتقال لحكاية تكذيب آخر من تكذيباتهم .

الوجه الثالث : أن يكون قوله : { قل كونوا حجارة } كلاماً مستأنفاً ليس جواباً على قولهم : { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً } [ الإسراء : 49 ] الخ وتكون صيغة الأمر مستعملة في التسوية . وفي هذا الوجه يكون قوله : { فسيقولون من يعيدنا } متصلاً بقوله : { كونوا حجارة أو حديداً } الخ ، ومفرعا على كلام محذوف يدل عليْه قوله : { كونوا حجارة } ، أي فلو كانوا كذلك لقالوا : من يعيدنا ، أي لانْتقلوا في مدارج السفسطة من إحالة الإعادة إلى ادعاء عدم وجود قادر على إعادة الحياة لهم لصلابة أجسادهم .

وبهذه الوجوه يلتئم نظم الآية وينكشف ما فيه من غموض .

والحديد : تراب معدني ، أي لا يوجد إلا في مغاور الأرض ، وهو تراب غليظ مُختلف الغلظ ، ثقيل أدكن اللون ، وهو إما محتت الأجزاء وإما مورّقُها ، أي مثل الورَق .

وأصنافه ثمانية عشر باعتبار اختلاف تركيب أجزائه ، وتتفاوت ألوان هذه الأصناف ، وأشرف أصنافه الخالصُ ، وهو السالم في جميع أجزائه من المواد الغريبة . وهذا نادر الوجود وأشهر ألوانه الأحمر ، ويقسم باعتبار صلابته إلى صنفين أصليين يسميان الذكر والأنثى ، فالصلب هو الذكر واللين الأنثى . وكان العرب يصفون السيف الصلب القاطع بالذكر . وإذا صهر الحديد بالنار تمازجت أجزاؤه وتميع وصار كالحلواء فمنه ما يكون حديدَ صب ومنه ما يكون حديدَ تطريق ، ومنه فُولاذ . وكل صنف من أصنافه صالح لما يناسب سبكه منه على اختلاف الحاجة فيها إلى شدة الصلابة مثل السيوف والدروع . ومن خصائص الحديد أن يعلوَه الصدأُ ، وهو كالوسخ أخضرُ ثم يستحيل تدريجاً إلى أكسيد ( كلمة كيمياوية تدل على تعلق أجزاء الأكسجين بجسم فتفسده ) وإذا لم يتعهد الحديد بالصقل والزيت أخذ الصدأ في نخر سطحه ، وهذا المعدن يوجد في غالب البلاد . وأكثر وجوده في بلاد الحبشة وفي صحراء مصر . ووجدت في البلاد التونسية معادن من الحديد . وكان استعمال الحديد من العصور القديمة ؛ فإن الطور الثاني من أطور التاريخ يعرف بالعصر الحديدي ، أي الذي كان البشر يستعمل فيه آلات متخذة من الحديد ، وذلك من أثر صنعة الحديد ، وذلك قبل عصر تدوين التاريخ . والعصر الذي قبله يعرف بالعصر الحجري .

وقد اتصلت بتعيين الزمن الذي ابتدىء فيه صنع الحديد أساطير واهية لا ينضبط بها تاريخه . والمقطوع به أن الحديد مستعمل عند البشر قبل ابتداء كتابة التاريخ ولكونه يأكله الصدأ عند تعرضه للهواء والرطوبة لم يَبق من آلاته القديمة إلا شيء قليل .

وقد وُجدتُ في ( طيبَة ) : ومَدافن الفراعنة في ( منفيس ) بمصر صور على الآثار مرسوم عليها : صور خزائن شاحذين مداهم وقد صبغوها في الصور باللون الأزرق لون الفولاذ ، وذلك في القرن الحادي والعشرين قبل التاريخ المسيحي . وقد ذكر في التوراة وفي الحديث قصة الذبيح ، وقصة اختتان إبراهيم بالقدوم . ولم يذكر أن السكين ولالقدوم كانتا من حجر الصوان ، فالأظهر أنه بآلة الحديد ، ومن الحديد تتخذ السلاسل للقيد ، والمقامع للضرب ، وسيأتي قوله تعالى : { ولهم مقامع من حديد } في سورة [ الحج : 21 ] .