وقوله : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } تأكيد لقدرته - ونفاذ أمره . أى : واستمعت الأرض كما استمعت السماء لأمر ربها ، وحق لها أن تستمع وأن تنقاد لحكمه - تعالى - لأنها خاضعة خضوعا تاما ، لقضائه وأمره .
إذا حدث كل ذلك . . قامت الساعة ، ووجد كل إنسان جزاءه عند ربه - سبحانه - .
قال صاحب الكشاف : حذف جواب " إذا " ليذهب المقدر كل مذهب ، أو اكتفاء بما علم فى مثلها من سورتى التكوير والانفطار . وقيل : جوابها ما دل عليه قوله : { فَمُلاَقِيهِ } أى : إذا السماء انشقت لاقى الإِنسان كدحه .
وقوله : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أذن له : استمع له . . والمعنى : أنها فعلت فى انقيادها لله - تعالى - حين أراد انشقاقها ، فعل المطواع الذى إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ، ولم يأب ولم يمتنع ، كقوله - تعالى - { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } " وحقت " هو من قولك : هو محقوق بكذا وحقيق به ، يعنى : وهى حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع . .
وقال الجمل فى حاشيته : وقوله { وَحُقَّتْ } الفاعل فى الأصل هو الله - تعالى - أى : حقَّ وأوجب الله عليها سمعه وطاعته . . فعلم ذلك أن الفاعل محذوف ، وأن المفعول هو سمعها وطاعتها له - تعالى - .
( وأذنت لربها وحقت ) . . هي الأخرى كما أذنت السماء لربها وحقت . واستجابت لأمره مستسلمة مذعنة ، معترفة أن هذا حق عليها ، وأنها طائعة لربها بحقه هذا عليها . .
وتبدو السماء والأرض - بهذه الآيات المصورة - ذواتي روح . وخليقتين من الأحياء . تستمعان للأمر ، وتلبيان للفور ، وتطيعان طاعة المعترف بالحق ، المستسلم لمقتضاه ، استسلاما لا التواء فيه ولا إكراه .
ومع أن المشهد من مشاهد الانقلاب الكوني في ذلك اليوم . فإن صورته هنا يظللها الخشوع والجلال والوقار والهدوء العميق الظلال . والذي يتبقى في الحس منه هو ظل الاستسلام الطائع الخاشع في غير ما جلبة ولا معارضة ولا كلام !
وقوله : وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ يقول : وسمعت الأرضُ في لقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء ، أمرَ ربها وأطاعت وحُقّتْ يقول : وحقّقها الله للاستماع لأمره في ذلك ، والانتهاء إلى طاعته .
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله : إذَا السّماءُ انْشَقّتْ ، وقوله : وَإذَا الأرْضُ مُدّتْ ، فقال بعض نحويّي البصرة : إذَا السّماءُ انْشَقّتْ على معنى قوله : يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ إذا السماء انشقت ، على التقديم والتأخير .
وقال بعض نَحويّي الكوفة : قال بعض المفسرين : جواب إذَا السّماءُ انْشّقّتْ قوله : وَأذِنَتْ قال : ونرى أنه رأي ارتآه المفسر ، وشبّهه بقول الله تعالى : حتى إذَا جاءُوها وَفُتِحَتْ أبْوَابُها لأنا لم نسمع جوابا بالواو في إذا مبتدأة ، ولا كلام قبلها ، ولا في إذا ، إذا ابتدئت قال : وإنما تجيب العرب بالواو في قوله : حتى إذا كان ، وفلما أن كان ، لم يجاوزوا ذلك قال : والجواب في إذَا السّماءُ انْشَقّتْ وفي إذَا الأرْضُ مُدّتْ كالمتروك ، لأن المعنى معروف قد تردّد في القرآن معناه ، فعُرِف ، وإن شئت كان جوابه : يا أيها الإنسان ، كقول القائل : إذا كان كذا وكذا ، فيا أيها الناس تَرَون ما عملتم من خير أو شرّ ، تجعل يا أيها الإنسان هو الجواب ، وتضمر فيه الفاء ، وقد فسّر جواب إذَا السّماءُ انْشَقّتْ فيما يلقَى الإنسان من ثواب وعقاب ، فكأن المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقّت .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن جوابه محذوف ، ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه . ومعنى الكلام : إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شرّ ، وقد بين ذلك قوله : يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ والاَياتُ بعدها .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"وَأذِنَتْ لِرَبّها وَحُقّتْ "يقول: وسمعت الأرضُ في لقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء، أمرَ ربها وأطاعت، "وحُقّتْ" يقول: وحقّقها الله للاستماع لأمره في ذلك، والانتهاء إلى طاعته.
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله: "إذَا السّماءُ انْشَقّتْ"، وقوله: "وَإذَا الأرْضُ مُدّتْ"؛
فقال بعض نحويّي البصرة: "إذَا السّماءُ انْشَقّتْ" على معنى قوله: "يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ" إذا السماء انشقت، على التقديم والتأخير.
وقال بعض نَحويّي الكوفة: قال بعض المفسرين: جواب "إذَا السّماءُ انْشّقّتْ" قوله: "وَأذِنَتْ..." قال: ونرى أنه رأي ارتآه المفسر، وشبّهه بقول الله تعالى: "حتى إذَا جاءُوها وَفُتِحَتْ أبْوَابُها" لأنا لم نسمع جوابا بالواو في إذا مبتدأة، ولا كلام قبلها، ولا في إذا، إذا ابتدئت قال: وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: حتى إذا كان، وفلما أن كان، لم يجاوزوا ذلك قال: والجواب في "إذَا السّماءُ انْشَقّتْ" وفي "إذَا الأرْضُ مُدّتْ" كالمتروك، لأن المعنى معروف قد تردّد في القرآن معناه، فعُرِف، وإن شئت كان جوابه: يا أيها الإنسان، كقول القائل: إذا كان كذا وكذا، فيا أيها الناس تَرَون ما عملتم من خير أو شرّ، تجعل يا أيها الإنسان هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، وقد فسّر جواب إذَا السّماءُ انْشَقّتْ فيما يلقَى الإنسان من ثواب وعقاب، فكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقّت.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جوابه محذوف، ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه. ومعنى الكلام: إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شرّ، وقد بين ذلك قوله: "يا أيّها الإنْسانُ إنّكَ كادِحٌ إلى رَبّكَ كَدْحا فَمُلاقِيهِ" والآيات بعدها.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
وإعادة الآية للتنبيه على أن ذلك تحت سلطان الجلال الإلهي وقهره ومشيئته وجواب {إذا} محذوف للتهويل بالإبهام أي كان ما كان مما لا يفي به البيان أو لاقى الإنسان كدحه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هي الأخرى كما أذنت السماء لربها وحقت. واستجابت لأمره مستسلمة مذعنة، معترفة أن هذا حق عليها، وأنها طائعة لربها بحقه هذا عليها.. وتبدو السماء والأرض -بهذه الآيات المصورة- ذواتي روح. وخليقتين من الأحياء. تستمعان للأمر، وتلبيان للفور، وتطيعان طاعة المعترف بالحق، المستسلم لمقتضاه، استسلاما لا التواء فيه ولا إكراه. ومع أن المشهد من مشاهد الانقلاب الكوني في ذلك اليوم. فإن صورته هنا يظللها الخشوع والجلال والوقار والهدوء العميق الظلال. والذي يتبقى في الحس منه هو ظل الاستسلام الطائع الخاشع في غير ما جلبة ولا معارضة ولا كلام!...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فتسليم الموجودات لما سيحدث من كوارث كونية مدمرة ينم عن جملة أمور، فمن جهة: إنّ الفناء سيعم الدنيا بكاملها بأرضها وسمائها وإنسانها وكلّ شيء آخر، ومن جهة أخرى: فالفناء المذكور يمثل انعطافة حادّة في مسير عالم الخليقة، ومقدّمة للدخول في مرحلة وجود جديدة، ومن جهة ثالثة، فكلّ ما سيجري سينبي بعظمة قدرة الخالق المطلقة، وخصوصاً في مسألة المعاد. نعم، فسيرضخ الإنسان، بعد أن يرى بأم عينيه وقوع تلك الحوادث العظام، وسيرى حصيلة أعماله الحسنة والسيئة...