ثم يطمئنهم من ناحية الدنيا وأعراضها ، فما له فيها من أرب بدعوتهم إلى الله ، وما يطلب منهم أجرا جزاء هدايتهم إليه ، فهو يطلب أجره من رب الناس الذي كلفه دعوة الناس . وهذا التنبيه على عدم طلب الأجر يبدو أنه كان دائما ضروريا للدعوة الصحيحة ، تمييزا لها مما عهده الناس في الكهان ورجال الأديان من استغلال الدين لسلب أموال العباد . وقد كان الكهنة ورجال الدين المنحرفون دائما مصدر ابتزاز للأموال بشتى الأساليب . فأما دعوة الله الحقة فكان دعاتها دائما متجردين ، لا يطلبون أجرا على الهدى . فأجرهم على رب العالمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَىَ رَبّ الْعَالَمِينَ * فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ } .
يقول تعالى ذكره : فاتقوا عقاب الله أيها القوم على كفركم به ، وأطيعوني في نصيحتي لكم ، وأمري إياكم باتقائه وَما أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ يقول : وما أطلب منكم على نصيحتي لكم وأمري إياكم باتقاء عقاب الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم ، من ثواب ولا جزاء إنْ أجرِيَ إلاّ عَلى رَبّ العالَمِينَ دونكم ودون جميع خلق الله ، فاتقوا عقاب الله على كفركم به ، وخافوا حلول سخطه بكم على تكذيبكم رسله ، وأطيعون : يقول : وأطيعوني في نصيحتي لكم ، وأمري إياكم بإخلاص العبادة لخالقكم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما أسئلكم عليه من أجر} يعني: جعلا، وذلك أنهم قالوا للأنبياء: إنما تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا، فردت عليهم الأنبياء، فقالوا: لا نسألكم عليه من أجر، يعني: على الإيمان جعلا.
{إن أجري} يعني: جزائي {إلا على رب العالمين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَما أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ" يقول: وما أطلب منكم على نصيحتي لكم وأمري إياكم باتقاء عقاب الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم، من ثواب ولا جزاء. "إنْ أجرِيَ إلاّ عَلى رَبّ العالَمِينَ" دونكم ودون جميع خلق الله، فاتقوا عقاب الله على كفركم به، وخافوا حلول سخطه بكم على تكذيبكم رسله، "وأطيعون": يقول: وأطيعوني في نصيحتي لكم، وأمري إياكم بإخلاص العبادة لخالقكم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وما أسألكم عليه من أجر} أي لا أسألكم على ما أدعوكم إليه، وأبلغكم، أجرا أو شيئا، فيمنعكم ثقل ذلك عن الإجابة، ولا أحملكم في أموالكم وأنفسكم مؤنة في ما أدعوكم إليه، بل أدعوكم إلى عبادة الواحد، وعبادة الواحد أهون وأخف على أنفسكم من عبادة العدد،.. ولا أحملكم أيضا مؤنة تمنعكم تحمل ذلك عن إجابتي {إن أجري} أي ما أجري {إلا على رب العالمين}.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قال أهل العلم: ولا يجوز للنبي أن يأخذ جعلا على النبوة؛ لأنه يؤدي إلى تنفير الناس عن قبول الإيمان، ويجوز أن يأخذ الهدية؛ لأنه لا يؤدي إلى التنفير.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{عَلَيْهِ} على هذا الأمر، وعلى ما أنا فيه، يعني: دعاءه ونصحه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: لا أطلب منكم جزاء على نصحي لكم، بل أدخر ثواب ذلك عند الله.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} فقد وضح لكم وبان صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني به وائتمنني عليه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أثبت أمانته، نفى تهمته فقال: {وما أسألكم عليه} أي على هذا الحال الذي أتيتكم به؛ وأشار إلى الإعراق في النفي بقوله: {من أجر} أي ليظن ظان أني جعلت الدعاء سبباً له؛ ثم أكد هذا النفي بقوله: {إن} أي ما {أجري} أي في دعائي لكم {إلا على رب العالمين} أي الذي دبر جميع الخلائق ورباهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذا التنبيه على عدم طلب الأجر يبدو أنه كان دائما ضروريا للدعوة الصحيحة، تمييزا لها مما عهده الناس في الكهان ورجال الأديان من استغلال الدين لسلب أموال العباد.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وضمير {عليه} عائد إلى معلوم من مقام الدعوة.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} إن نافية، أي ليس لي أجر إلا عند الله تعالى، وعبر بعلى للإشارة إلى علو هذا الأجر وهو يعلو عليكم، ولا يمكن أن تتساموا إليه، لأنه من رب العالمين الذي يدين له العالمون أجمعون بالربوبية والطاعة والخضوع.
هذه العبارة {وما أسألكم عليه من أجر} لم نسمعها على لسان إبراهيم عليه السلام، ولا على لسان موسى عليه السلام، فأول من قالها نوح عليه السلام، وكونك تقول لآخر: أنا لا أسألك أجرا على هذا العمل، فهذا يعني أنك تستحق أجرا على هذا العمل، وأنت غير زاهد في الأجر، إنما إن أخذته من المنتفع بعملك، فسوف يقومه لك بمقاييسه البشرية؛ لذلك من الأفضل أن تأخذ أجرك من الله.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ومرّة أُخرى يتمسك نوح عليه السلام بحقانية دعوته، ويأتي بدليل آخر يقطع به لسان المتذرعين بالحجج الواهية، فيقول: (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين). ومعلوم أن الدوافع الإلهية عادةً دليل على صدق مدعي النبوّة، في حين أن الدوافع المادّية تدل بوضوح على أن الهدف من ورائها هو طلب المنفعة، ولاسيما أن العرب في ذلك العصر كانوا يعرفون هذه المسألة في شأن الكهنة وأضرابهم.