فلما أمره الله بالصلاة خصوصا ، وبالذكر عموما ، وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال ، وفعل الثقيل{[1263]} من الأعمال ، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به ، وأن يمضي على أمر الله ، لا يصده عنه صاد ، ولا يرده راد ، وأن يهجرهم هجرا جميلا ، وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه ، فيقابلهم{[1264]} بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه ، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن .
ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالصبر الجميل ، على أذى قومه فقال : { واصبر على مَا يَقُولُونَ واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً . . . } .
أى : اجعل يا محمد اعتمادك وتوكلك على وحدى ، واصبر على ما يقوله أعداؤك فى حقك من أكاذيب وخرافات . . واهجرهم هجرا جميلا ، أى : واعتزلهم وابتعد عنهم ، وقاطعهم مقاطعة حسنة ، بحيث لا تقابل السيئة يمثلها ، ولا تزد على هجرهم : بأن تسبهم ، أو ترميهم بالقبيح من القول . .
قال الإِمام الرازى ما ملخصه : والمعنى أنك لما اتخذتنى وكيلا فاصبر على ما يقولون ، وفوض أمرهم إلى ، فإنى لما كنت وكيلا لك أقوم بإصلاح أمرك ، أحسن من قيامك بإصلاح نفسك .
واعلم أن مهمات العباد محصورة فى أمرين : فى كيفية معاملتهم مع الله ، وقد ذكر - سبحانه - ذلك فى الآيات السابقة ، وفى كيفية معاملتهم مع الخلق ، وقد جمع - سبحانه - كل ما يحتاج إليه فى هذا الباب فى هاتين الكلمتين ، وذلك لأن الإِنسان إما أن يكون مخالطا للناس ، أو مجانبا لهم .
فإن كان مخالطا لهم فعليه أن يصبر على إيذائهم . . وإما أن يكون مجانبا لهم ، فعليه أن يهجرهم هجرا جميلا . . بأن يجانبهم بقلبه وهواه ، ويخالفهم فى أفعالهم ، مع المداراة والإِغضاء .
وقوله : وَاصْبِرْ على ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرا جَمِيلاً يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك ، وعلى أذاهم ، واهجرهم في الله هجرا جميلاً . والهجر الجميل : هو الهجر في ذات الله ، كما قال عزّ وجلّ : وَإذَا رَأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ . . . الاَية ، وقيل : إن ذلك نُسخ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاصْبِرْ على ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهم هَجْرا جَمِيلاً براءة نسخت ما ههنا أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، لا يقبل منهم غيرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.