ثم أضاف - سبحانه - إلى تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسلية أخرى فقال : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ . . . } .
أى : وإن يكذبك قومك يا محمد فلا تحزن ، فإن الأقوام السابقين قد كذبوا إخوانك الين أرسلسناهم إليهم ، كما كذبك قومك .
وإن هؤلاء السابقين قد { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات } أى : بالمعجزات الواضحات { وبالزبر } أى : وبالكتب المنزلة من عند الله - تعالى - جمع زبور وهو المكتوب ، كصحف إبراهيم وموسى .
{ وبالكتاب المنير } أى : وبالكتاب الساطع فى براهينه وحججه ، كالتوراة التى أنزلناها على موسى ، والإِنجيل الذى أنزلناه على عيسى .
قال الشوكانى : قيل : الكتاب المنير داخل تحت الزبر ، وتحت البينات ، والعطف لتغير المفهومات ، وإن كانت متحدة فى الصدق . والأولى تخصيص البينات بالمعجزات . والزبر بالكتب التى فيها مواعظ ، والكتاب بما فيه شرائع وأحكام .
أعقب الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم بتسليته على تكذيب قومه وتأنيسه بأن تلك سنة الرسل مع أممهم .
وإذ قد كان سياق الحديث في شأن الأمم جعلت التسلية في هذه الآية بحال الأمم مع رسلهم عكس ما في آية آل عمران ( 184 ) : { فإن كذبوك فقد كذّب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } لأن سياق آية آل عمران كان في ردّ محاولة أهل الكتاب إفحام الرسول لأن قبلها { الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } [ آل عمران : 183 ] .
وقد خولف أيضاً في هذه الآية أسلوب آية آل عمران إذ قرن كل من « الزبر والكتاب المنير » هنا بالباء ، وجُرّدا منها في آية آل عمران وذلك لأن آية آل عمران جرت في سياق زعم اليهود أن لا تقبل معجزة رسول إلا معجزة قُربان تأكله النار ، فقيل في التفرد ببهتانهم : قد كُذّبت الرسل الذين جاء الواحد منهم بأصناف المعجزات مثل عيسى عليه السلام ومن معجزاتهم قرابين تأكلها النار فكذبتموهم ، فترك إعادة الباء هنالك إشارة إلى أن الرُسل جاءوا بالأنواع الثلاثة .
ولما كان المقام هنا لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ناسب أن يذكر ابتلاء الرسل بتكذيب أممهم على اختلاف أحوال الرسل ؛ فمنهم الذين أتَوا بآيات ، أي خوارق عادات فقط مثل صالح وهود ولوط ، ومنهم من أتوا بالزبر وهي المواعظ التي يؤمر بكتابتها وزَبرها ، أي تخطيطها لتكون محفوظة وتردد على الألسن كزبور داود وكتب أصحاب الكتب من أنبياء بني إسرائيل مثل أرمياء وإيلياء ، ومنهم من جاءوا بالكتاب المنير ، يعني كتاب الشرائع مثل إبراهيم وموسى وعيسى ، فذكر الباء مشير إلى توزيع أصناف المعجزات على أصناف الرسل .
فزبور إبراهيم صُحُفه المذكورة في قوله تعالى : { صحف إبراهيم وموسى } [ الأعلى : 19 ] .
وزبور موسى كلامه في المواعظ الذي ليس فيه تبليغ عن الله مثل دعائه الذي دعا به في قادش المذكور في الإِصحاح التاسع من سفر التثنية ، ووصيته في عَبر الأردن التي في الإِصحاح السابع والعشرين من السفر المذكور ، ومثل نشيده الوعظي الذي نطق به وأمر بني إسرائيل بحفظه والترنّم به في الإِصحاح الثاني والثلاثين منه ، ومثل الدعاء الذي بارك به أسباط إسرائيل في عَربات مُؤاب في آخر حياته في الإِصحاح الثالث والثلاثين منه .
وزبور عيسى أقواله المأثورة في الأناجيل مما لم يكن منسوباً إلى الوحي .
فالضمير في « جاءوا » للرسل وهو على التوزيع ، أي جاء مجموعهم بهذه الأصناف من الآيات ، ولا يلزم أن يجيء كل فرد منهم بجميعها كما يقال بنو فلان قتلوا فلاناً .
وجواب { إن يكذبوك } محذوف دلت عليه علته وهي قوله : { فقد كذبت رسل من قبلك }
[ فاطر : 4 ] . والتقدير : إن يكذبوك فلا تحزن ، ولا تحسبهم مفلِتين من العقاب على ذلك إذ قد كذب الأقوام الذين جاءتهم رسل من قبل هؤلاء وقد عاقبناهم على تكذيبهم .
فالفاء في قوله : { فقد كذب الذين من قبلهم } فاء فصيحة أو تفريع على المحذوف .
وجملة { جاءتهم } صلة { الذين } ، و { من قبلهم } في موضع الحال من اسم الموصول مقدّم عليه أو متعلق ب { جاءتهم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.