المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ} (5)

5 - فعن قريب تبصر - يا محمد - ويبصر الكافرون بأيكم الجنون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ} (5)

ثم بشره - سبحانه - ببشارات أخرى فقال : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ . بِأَيِّكُمُ المفتون . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين } .

والفاء فى قوله : { فَسَتُبْصِرُ . . . } للتفريع على ما تقدم من قوله : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ }

والفعل " تبصر ويبصرون " من الإبصار الذي هو الرؤية بالعينين ، وقيل : بمعنى العلم . . والسين في { فَسَتُبْصِرُ . . . } للتأكيد .

والباء في قوله { بِأَيِّكُمُ . . } يرى بعضهم أنها بمعنى في . والمفتون : اسم مفعول ، وهو الذي أصابته فتنة . أدت إلى جنونه ، والعرب كانوا يقولون للمجنون : فتنته الجن . أو هو الذي اضطرب أمره واختل تكوينه وضعف تفكيره . كأولئك المشركين الذين قالوا في النبى صلى الله عليه وسلم أقوالا لا يقولها عاقل . .

أي : لقد ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - أنك بعيد عما اتهمك به الكافرون ، وأن لك عندنا المنزلة التي ليس بعدها منزلة . . وما دام الأمر كذلك فسترى وستعلم ، وسيرى وسيلعم هؤلاء المشركون ، في أي فريق منكم الإِصابة بالجنون ؟ أفي فريق المؤمنين أم بفريق الكافرين . .

قال الجمل في حاشيته ما ملخصه : قوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } قال ابن عباس : فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل ، وقيل في الدنيا بظهور عاقبة أمرك . .

{ بِأَيِّكُمُ المفتون } الباء مزيدة في المبتدأ ، والتقدير : أيكم المفتون ، فزيدت الباء كزيادتها في نحو : بحسبك درهم . .

وقيل : الباء بمعنى " في " الظرفية ، كقولك : زيد بالبصرة . أي : فيها . والمعنى : في أي فرقة منكم المفتون .

وقيل : المفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول والميسور . أي ، بأيكم الفتون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ} (5)

وبعد هذا الثناء الكريم على عبده يطمئنه إلى غده مع المشركين ، الذين رموه بذلك البهت اللئيم ؛ ويهددهم بافتضاح أمرهم وانكشاف بطلانهم وضلالهم المبين :

( فستبصر ويبصرون . بأيكم المفتون . إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) . .

والمفتون الذي يطمئن الله نبيه إلى كشفه وتعيينه هو الضال . أو هو الممتحن الذي يكشف الامتحان عن حقيقته . وكلا المدلولين قريب من قريب . . وهذا الوعد فيه من الطمأنينة لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وللمؤمنين معه ، بقدر ما فيه من التهديد للمناوئين له المفترين عليه . . أيا كان مدلول الجنون الذي رموه به . والأقرب إلى الظن أنهم لم يكونوا يقصدون به ذهاب العقل . فالواقع يكذب هذا القول . إنما كانوا يعنون به مخالطة الجنة له ، وإيحاءهم إليه بهذا القول الغريب البديع - كما كانوا يظنون أن لكل شاعر شيطانا هو الذي يمده ببديع القول ! - وهو مدلول بعيد عن حقيقة حال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وغريب عن طبيعة ما يوحى إليه من القول الثابت الصادق المستقيم .

وهذا الوعد من الله يشير إلى أن الغد سيكشف عن حقيقة النبي وحقيقة مكذبيه . ويثبت أيهم الممتحن بما هو فيه ؛ أو أيهم الضال فيما يدعيه . ويطمئنه إلى أن ربه ( هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) . . وربه هو الذي أوحى إليه ، فهو يعلم أنه المهتدي ومن معه . وفي هذا ما يطمئنه وما يقلق أعداءه ، وما يبعث في قلوبهم التوجس والقلق لما سيجيء !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ} (5)

وقوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : فستعلم يا محمد ، وسيعلم مخالفوك ومكذبوك : من المفتون الضال منك ومنهم . وهذا كقوله تعالى : { سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ } [ القمر : 26 ] ، وكقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [ سبأ : 24 ] .

قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الآية : ستعلم ويعلمون يوم القيامة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : الجنون . وكذا قال مجاهد ، وغيره . وقال قتادة وغيره : { بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } أي : أولى بالشيطان .

ومعنى المفتون ظاهر ، أي : الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ، وإنما دخلت الباء في قوله : { بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ } لتدل على تضمين الفعل في قوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } وتقديره : فستعلم ويعلمون ، أو : فستُخْبَر ويُخْبَرون بأيكم المفتون . والله أعلم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ} (5)

الفاء للتفريع على قوله : { مَا أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم : 2 ] باعتبار ما اقتضاه قوله { بنعمة ربك } [ القلم : 2 ] من إبطال مقالة قيلت في شأنه قالها أعداؤه في الدين ، ابتدأ بإبطال بهتانهم ، وفرع عليه أنهم إذا نظروا الدلائل وتوسموا الشمائل علموا أي الفريقين المفتون أَهُم مفتونون بالانصراف عن الحق والرشد ، أم هو باختلال العقل كما اختلقوا .

والمقصود هو ما في قوله : { ويبصرون } ولكن أدمج فيه قوله : { فستبصر } ليتأتى بذكر الجانبين إيقاعُ كلام منصف ( أي داع إلى الإِنصاف ) على طريقة قوله : { وإنا أو إياكم لَعَلَى هُدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 24 ] لأن القرآن يبلغ مسامعهم ويتلى عليهم .

وفعْلا ( تبصر ويبصرون ) ، بمعنى البصر الحسي . وروي عن ابن عباس ، أن معناه فستعلم ويعلمون ، فجعله مثل استعمال فعل الرؤية في معنى الظن ، فلعله أراد تفسير حاصل المعنى إذ قد قيل إن الفعل المشتق من ( أبصر ) لا يستعمل بمعنى الظن والاعتقاد عند جمهور اللغويين والنحاة خلافاً لهشام كذا في « التسهيل »{[433]} فالمعنى : ستَرى ويَرَون رأيَ العين أيكم المفتون فإن كان بمعنى العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ذلك فالسين في قوله : { فستبصر } للتأكيد ، وأما المشركون فسيرون ذلك ، أي يعلمون آثار فتونهم وذلك فيما يرونه يوم بدر ويوم الفتح .

وإن كان بمعنى البصر الحسي فالسين والتاء في كلا الفعلين للاستقبال .

وضمير { يُبصرون } عائد إلى معلوم مقدر عند السامع وهم المشركون القائلون : هو مجنون .


[433]:- شام بن معاوية الكوفي من أصحاب الكسائي توفي سنة 209.