البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَسَتُبۡصِرُ وَيُبۡصِرُونَ} (5)

والظاهر تعلق { بأيكم المفتون } بما قبله . وقال عثمان المازني : تم الكلام في قوله { ويبصرون } ، ثم استأنف قوله : { بأيكم المفتون } . انتهى .

فيكون قوله : { بأيكم المفتون } استفهاماً يراد به الترداد بين أمرين ، ومعلوم نفي الحكم عن أحدهما ، ويعينه الوجود ، وهو المؤمن ، ليس بمفتون ولا به فتون .

وإذا كان متعلقاً بما قبله ، وهو قول الجمهور ، فقال قتادة وأبو عبيدة معمر : الباء زائدة ، والمعنى : أيكم المفتون ؟ وزيدت الباء في المبتدأ ، كما زيدت فيه في قوله : بحسبك درهم ، أي حسبك .

وقال الحسن والضحاك والأخفش : الباء ليست بزائدة ، والمفتون بمعنى الفتنة ، أي بأيكم هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً ؟ وقال الأخفش أيضاً : بأيكم فتن المفتون ، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه .

ففي قوله الأول جعل المفتون مصدراً ، وهنا أبقاه اسم مفعول وتأوله على حذف مضاف .

وقال مجاهد والفراء : الباء بمعنى في ، أي في أيّ فريق منكم النوع المفتون ؟ انتهى .

فالباء ظرفية ، نحو : زيد بالبصرة ، أي في البصرة ، فيظهر من هذا القول أن الباء في القول قبله ليست ظرفية ، بل هي سببية .

وقال الزمخشري : المفتون : المجنون لأنه فتن ، أي محن بالجنون ، أو لأن العرب يزعمون أنه من تخييل الجن ، وهم الفتان للفتاك منهم . انتهى .

وقرأ ابن أبي عبلة : في أيكم المفتون .