ولكن موسى - عليه السلام - لم يخفه هذا التهديد والوعيد . بل رد عليه ردا حكيما فقال له : { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } .
والاستفهام للإنكار ، والواو للعطف على كلام مقدر يستدعيه المقام ، والمعنى . أتفعل ذلك بى بأن تجعلنى من المسجونين ، ولو جئتك بشىء مبين ، يدل دلالة واضحة على صدقى فى رسالتى وعلى أنى رسول من رب العالمين ؟
وعبر عن المعجزة التى أيده الله بها بأنها { شَيءٍ مُّبِينٍ } للتهويل من شأنها ، والتفخيم من أمرها ، ولعل مقصد موسى - عليه السلام - بهذا الكلام ، أن يجر فرعون مرة أخرى إلى الحديث فى شأن الرسالة التى جاءه من أجلها بعد أن رآه يريد أن يحول مجرى الحديث عنها إلى التهديد والوعيد ، وأن يسد منافذ الهروب عليه أمام قومه .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ * فَأَلْقَىَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنّاظِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال موسى لفرعون لما عرفه ربه ، وأنه ربّ المشرق والمغرب ، ودعاه إلى عبادته وإخلاص الألوهة له ، وأجابه فرعون بقوله لَئِنِ اتّخَذْتَ إلَهَا غَيْرِي لأَجْعَلَنّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ : أتجعلني من المسجونين وَلَوْ جِئْتُكَ بشَيْءٍ مُبينٍ يبين لك صدق ما أقول يا فرعون وحقيقة ما أدعوك إليه ؟ وإنما قال ذلك له ، لأن من أخلاق الناس السكون للإنصاف ، والإجابة إلى الحقّ بعد البيان فلما قال موسى له ما قال من ذلك ، قال له فرعون : فأت بالشيء المبين حقيقة ما تقول ، فإنا لن نسجنك حينئذ إن اتخذت إلها غيري إن كنت من الصادقين : يقول : إن كنت محقا فيما تقول ، وصادقا فيما تصف وتخبر . فأَلْقَى عَصَاهُ فإذَا هيَ ثُعْبانٌ مُبينٌ يقول جلّ ثناؤه : فألقى موسى عصاه فتحوّلت ثعبانا ، وهي الحية الذكر كما قد بيّنت فيما مضى قبل من صفته وقوله مُبِينٌ يقول : يبين لفرعون والملأ من قومه أنه ثعبان . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قوله فَأَلْقَى عَصَاهُ فإذَا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ يقول : مبين له خلق حية . وقوله : وَنَزَعَ يَدَه فإذَا هيَ بَيْضَاءُ يقول : وأخرج موسى يده من جيبه فإذا هي بيضاء تلمع للنّاظرِينَ لمن ينظر إليها ويراها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، قال : حدثنا الأعمش ، عن المنهال ، قال : ارتفعت الحية في السماء قدر ميل ، ثم سفلت حتى صار رأس فرعون بين نابيها ، فجعلت تقول : يا موسى مرني بما شئت ، فجعل فرعون يقول : يا موسى أسألك بالذي أرسلك ، قال : فأخذه بطنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.