المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسّٗا} (5)

4 - إذا زُلزلت الأرض واهتزت اهتزازاً شديداً ، وفتتت الجبال تفتيتاً دقيقاً ، فصارت غباراً متطايراً{[217]} .


[217]:تقرر هذه الآيات الكريمة مدى الأهوال التي تحل بالعالم عند قيام القيامة، ومن هذه الأهوال تلك الكوارث الكونية التي تؤثر على الأرض وطبقاتها. فالأرض التي نعيش على سطحها ليست مستقرة ومتوازنة تماما. فهي تتكون من طبقات صخرية متداخلة غير منتظمة قد أنزلت بعضها بالنسبة لما يجاورها وكونت ما يسمى الفالق الجيولوجي في مناطق عديدة. هذه الفوالق كانت ولا تزال المراكز العميقة للزلازل الكبرى. لأنها تحت تأثير قوى الشد والجذب التي صاحبت الطبقة الأرضية عند انكسارها، فإذا ما اختل توازن هذه القوى نتيجة لعوامل التأثير الإضافية الخارجية فقد يؤدي ذلك إلى انطلاق طاقة حركة كبرى تنبعث منها هزات أو زلازل أرضية قد تهدم كل شيء على سطح الأرض القريب من مركز الزلزال فيحدث خراب كبير. والتفسير العلمي المذكور لا يؤثر بل ولا يبعد عن الوجهة الدينية. فإن الله تعالى قد يجعل الأسباب الكونية المعتادة يجتمع بعضها إلى بعض على غير ما عهدنا ليكون تفاعلها الرهيب سببا مباشرا لتخريب الدنيا، ويكون التفسير العلمي متجاوبا مع الآيات المنذرة بالأهوال الجسام وكل ذلك من عند الله، ويحصل عندما يأذن الله بتنفيذ قضائه في دنيانا.

   
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسّٗا} (5)

وقوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا يقول تعالى ذكره : فتتت الجبال فتا ، فصارت كالدقيق المبسوس ، وهو المبلول ، كما قال جلّ ثناؤه : وكانَتِ الجِبالُ كَثِيبا مَهِيلاً والبسيسة عند العرب : الدقيق والسويق تُلَتّ وتُتَخَذُوا زادا .

وذُكر عن لصّ من غَطَفان أنه أراد أن يخبز ، فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا ، وقال :

لا تَخْبِزَا خَبْزا وبُسّا بَسّا *** مَلْسا بِذَوْدِ الحَلَسِيّ مَلْسا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : وَبُسّت الجِبالُ بَسّا يقول : فتتت فتا .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فتتت .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : كما يبس السويق .

حدثني أحمد بن عمرو البصريّ ، قال : حدثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فُتّتْ فتا .

حدثني إسماعيل بن موسى بن بنت السديّ ، قال : أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسيّ ، عن سعيد بن الصلت ، عن إسماعيل السديّ وأبي صالح وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فُتتت فتا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَبُسّتِ الجِبالِ بَسّا قال : كما يبس السويق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : صارت كثيبا مهيلاً كما قال الله .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال : فُتتت فتا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسّٗا} (5)

والبَسُّ يطلق بمعنى التفتت وهو تفرّق الأجزاء المجموعة ، ومنه البسيسة من أسماء السويق أي فتِّتَتْ الجبال ونسفت فيكون كقوله تعالى : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذَرها قاعاً صفصفاً } [ طه : 105 ، 106 ] .

ويطلق البسّ أيضاً على السّوق للماشية ، يقال : بَسّ الغنم ، إذا ساقها . وفي الحديث : « فيأتي قوم يَبِسُّون بأموالهم وأهليهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون » فهو في معنى قوله تعالى : { ويوم نسيّر الجبال } [ الكهف : 47 ] ، وقوله : { وسيرت الجبال } [ النبأ : 20 ] وتأكيده بقوله : { بساً } كالتأكيد في قوله : { رجاً } لإِفادة التعظيم بالتنوين .