ثم أكد - سبحانه - هذا الحكم وقرره فقال : { إِنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
والاشتراء فى الآية الكريمة بمعنى الاستبدال على سبيل الاستعارة التمثيلية فقد شبه - سبحانه - الكافر الذى يترك الحق الواضح الذى قامت الأدلة على صحته ويختار بدله الضلال الذى قامت الأدلة على بطلانه ، بمن يكون فى يده سلعة ثمينة جيدة فيتركها ويأخذ فى مقابلها سلعة رديئة فاسدة .
والمعنى أن الذين استبدلوا الكفر بالإيمان ، لن يضروا دين الله ولا رسوله ولا أولياءه بشىء من الضرر ، وإنما يضرون بفعلهم هذا أنفسهم ضررا بليغا ولهم فى الآخرة عذاب مؤلم شديد الإيلام ، بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، والكفر على الإيمان ، والشر على الخير .
{ إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرّواْ اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : المنافقين الذين تقدم إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم ، أن لا يحزنه مسارعتهم إلى الكفر ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء الذين ابتاعوا الكفر بإيمانهم ، فارتدّوا عن إيمانهم بعد دخولهم فيه ، ورضوا بالكفر بالله وبرسوله ، عوضا من الإيمان ، لن يضرّوا الله بكفرهم وارتدادهم ، عن إيمانهم شيئا ، بل إنما يضرّون بذلك أنفسهم بإيجابهم بذلك لها من عقاب الله ما لا قبل لها به .
وإنما حثّ الله جلّ ثناؤه بهذه الاَيات من قوله : { وَما أصَابَكُمْ يَوْمَ الَتْقَى الجَمْعانِ فَبإذْنِ اللّهِ } إلى هذه الاَية عباده المؤمنين على إخلاص اليقين ، والانقطاع إليه في أمورهم ، والرضا به ناصرا وحده دون غيره من سائر خلقه ، ورغب بها في جهاد أعدائه وأعداء دينه ، وشجع بها قلوبهم ، وأعلمهم أن من وليه بنصره فلن يخذل ولو اجتمع عليه جميع من خالفه وحاده ، وأن من خذله فلن ينصره ناصر ينفعه نصره ولو كثرت أعوانه أو نصراؤه . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { إنّ الّذِينَ اشَترَوُا الكُفرَ بالإيِمَانِ } : أي المنافقين { لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئا وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ } : أي موجع .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : هم المنافقون .
وقوله تعالى : { إن الذين اشتروا } أطلق عليهم الشراء من حيث كانوا متمكنين من قبول هذا وهذا فجاء أخذهم للواحد وتركهم للآخر كأنه ترك لما قد أخذ وحصل ، إذ كانوا ممكنين منه ، ولمالك رحمه الله متعلق بهذه الآية في مسألة شراء ما تختلف آحاد جنسه مما لا يجوز التفاضل فيه ، في أن منع الشراء على أن يختار المبتاع ، وباقي الآية وعيد كالمتقدم .
تكرير لجملة { إنهم لن يضروا الله شيئاً } قصد به ، مع التأكيد ، إفادةُ هذا الخبر استقلالاً للاهتمام به بعد أن ذكر على وجه التعليل لتسلية الرسول . وفي اختلاف الصلتين إيماء إلى أنّ مضمون كل صلة منهما هو سبب الخبر الثابت لمَوصُولها ، وتأكيد لقوله : { إنهم لن يضروا الله شيئاً } المتقدّم ، كقول لبيد :
كدُخان نارٍ سَاطِع أسْنَامُهــا
كدُخان مُشْعَلَةٍ يُشَبّ ضِرامُها
مع زيادة بيان اشتهارهم هم بمضمون الصلة .
والاشتراء مستعار للاستبدال كما تقدّم في قوله تعالى : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } في سورة [ البقرة : 16 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.