محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (177)

177

( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم177 ) .

( إن الذين اشتروا ) أي استبدلوا ( الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ) فيه تعريض ظاهر باقتصار الضرر عليهم ، كأنه قيل : وإنما يضرون أنفسهم . فان جعل الموصول عبارة عن المسارعين المعهودين بأن يراد باشتراء الكفر بالإيمان إيثاره عليه ، إما بأخذه بدلا من الإيمان الحاصل بالفعل ، كما هو حال المرتدين ، أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله في التوراة ، كما هو شأن اليهود ومنافقيهم . فالتكرير لتقرير الحكم وتأكيده ، ببيان علته ، بتغيير عنوان الموضوع ، فان ما ذكر في حيز الصلة من الاشتراء المذكور صريح في لحوق ضرره بأنفسهم ، وعدم تعديه إلى غيرهم أصلا ، كيف وهو علم في الخسران الكلي ، والحرمان الأبدي ، دال على كمال سخافة عقولهم ، وركاكة آرائهم ، فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم ، ورزانة الرأي ، ورصانة / التدبير ، من مضارة حزب الله تعالى ، وهي أعز من الأبلق الفرد ، وأمنع من عقاب الجو . وان جرى الموصول على عمومه بأن يراد بالاشتراء المذكور القدر المشترك الشامل للمعنيين المذكورين ولأخذ الكفر بدلا مما نزل منزلة نفس الإيمان من الاستعداد القريب له ، الحاصل بمشاهدة الوحي الناطق ، وملاحظة الدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس ، كما هو دأب جميع الكفرة ، فالجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقريرا للقواعد الكلية ، لما اندرج تحتها من جزيئات الأحكام –أفاده أبو السعود- ثم قال : وقوله تعالى : ( ولهم عذاب أليم ) جملة مبتدأة لكمال فظاعة عذابهم ، بذكر غاية إيلامه ، بعد ذكر نهاية عظمه ، قيل : لما جرت العادة باغتباط المشتري بما اشتراه ، وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة ، وبتألمه عند كونها خاسرة ، وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك –انتهى- .