والإِشارة فى قوله - تعالى - { هذا هُدًى } تعود إلى القرآن الكريم . والهدى مصدر هداه إلى الشيء إذا دله وأرشده إليه .
أي هذا القرآن الذي أوحيناه إليك يا محمد ، في أعلى درجات الهداية وأكملها .
{ والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } الدالة على وجوب إخلاص العبادة له .
{ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } والرجز : يطلق على أشد أنواع العذاب . .
أي : لهم أشد أنواع العذاب ، وأكثره إيلاما وإهانة .
وجمهور القراء قرأ { أليم } بالخفض على أنه نعت لقوله { رِّجْزٍ } وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم { أليم } بالرفع ، على أنه صفة لعذاب .
وهذه الآيات تهديد لكل من كانت فيه هذه الصفات التي منها : كثرة الكذب ، وكثرة اقتراف السيئات ، والإِصرار على الباطل . . . ويدخل في هذا التهديد دخولا أوليا ، النضر بن الحارث ، الذي كان يشتري أحاديث الأعاجم ليشغل بها الناس عن سماع القرآن ، والذي قيل إن هذه الآيات قد نزلت فيه .
القول في تأويل قوله تعالى : { هََذَا هُدًى وَالّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ أَلِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره : هذا القرآن الذي أنزلناه على محمد هدى : يقول : بيان ودليل على الحقّ ، يهدي إلى صراط مستقيم ، من اتبعه وعمل بما فيه . وَالّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ رَبهِمْ ، يقول : والذين جحدوا ما في القرآن من الآيات الدالات على الحقّ ، ولم يصدّقوا بها ، ويعملوا بها ، لهم عذاب أليم يوم القيامة موجع .
جملة { هذا هدى } استئناف ابتدائي انتُقل به من وصف القرآن في ذاته بأنه منزل من الله وأنه من آيات الله إلى وصفه بأفضل صفاته بأنه هدى ، فالإشارة بقوله : { هذا } إلى القرآن الذي هو في حال النزول وَالتِلاوةِ فهو كالشيء المشاهد ، ولأنه قد سبق من أوصافه من قوله : { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } [ الجاثية : 2 ] وقوله : { تلك آيات الله } [ الجاثية : 6 ] إلى آخره ما صيره متميزاً شخصاً بِحسن الإشارة إليه . ووصف القرآن بأنه { هدى } من الوصف بالمصدر للمبالغة ، أي : هاد للناس ، فمن آمن فقد اهتدى ومن كفر به فله عذاب لأنه حَرَمَ نفسه من الهدى فكان في الضلال وارتبق في المفاسد والآثام .
فجملة { والذين كفروا } عطف على جملة { هذا هدى } والمناسبة أن القرآن من جملة آيات الله وأنه مذكِّر بها ، فالذين كفروا بآيات الله كفروا بالقرآن في عموم الآيات ، وهذا واقع موقع التذييل لما تقدمه ابتداء من قوله : { ويل لكل أفاك أثيم } [ الجاثية : 7 ] . وجيء بالموصول وصلته لما تشعر به الصلة من أنهم حقيقون بالعقاب .
واستُحْضِروا في هذا المقام بعنوان الكُفر دون عنواني الإصرار والاستكبار اللذين استحضروا بهما في قوله : { ثم يُصِرّ مستكبراً } [ الجاثية : 8 ] لأن الغرض هنا النعي عليهم إهمالهم الانتفاع بالقرآن وهو النعمة العظمى التي جاءتهم من الله فقابلوها بالكفران عوضاً عن الشكر ، كما جاء في قوله تعالى : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون } [ الواقعة : 82 ] .
والرجز : أشد العذاب ، قال تعالى : { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يَفْسُقون } [ البقرة : 59 ] . ويجوز أن يكون حرف { مِن } للبيان فالعذاب هو الرجز ويجوز أن يكون للتبعيض ، أي عذاب مما يسمى بالرجز وهو أشده .
و { أليم } يجوز أن يكون وصفاً ل { عذاب } فيكون مرفوعاً وكذلك قرأه الجمهور . ويجوز أن يكون وصفاً ل { رجزٍ } فيكون مجروراً كما قرأه ابن كثير وحفص عن عاصم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{هذا هدى}: هذا القرآن بيان يهدي من الضلالة.
{والذين كفروا} من أهل مكة، {بآيات ربهم} يعني القرآن.
{لهم عذاب من رجز أليم}: لهم عذاب من العذاب الوجيع في جهنم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: هذا القرآن الذي أنزلناه على محمد هدى: يقول: بيان ودليل على الحقّ، يهدي إلى صراط مستقيم، من اتبعه وعمل بما فيه. "وَالّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ رَبهِمْ"، يقول: والذين جحدوا ما في القرآن من الآيات الدالات على الحقّ، ولم يصدّقوا بها، ويعملوا بها، لهم عذاب أليم يوم القيامة موجع.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي عذاب من عذاب أليم؛ إذ الرّجز هو العذاب؛ كأنه فسّر ذلك العذاب، ووصفه بالألم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أي هذا القرآن كامل في الهداية...
الرجز: أشد العذاب بدلالة قوله تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء} وقوله {لئن كشفت عنا الرجز}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أخبر عما لمن أعرض عن الآيات بما هو- أجل موعظة وأردع زاجر عن الضلال، قال مشيراً إلى ما افتتح به الكلام من المتلو الذي هذا منه: {هذا} أي التنزيل المتلو عليكم.
{هدى} أي عظيم جداً بالغ في- الهداية كامل فيها، فالذين اهتدوا بآيات ربهم لأنهم -لم يغتروا بالحاضر لكونه زائلاً فاستعملوا عقولهم فآمنوا به لهم نعيم مقيم.
{والذين كفروا} أي ستروا ما دلتهم عليهم مرائي عقولهم به- هكذا كان الأصل، ولكنه نبه على أن كل جملة من جمله، بل كل كلمة من كلماته دلالة واضحة عليه سبحانه فقال: {بآيات ربهم} أي وهذه التغطية بسبب التكذيب بالعلامات الدالة على وحدانية المحسن إليهم فضلوا عن السبيل لتفريطهم في النظر لغرورهم بالحاضر الفاني.
{لهم عذاب} كائن- {من رجز} أي عقاب- قذر شديد جداً عظيم القلقلة والاضطراب متتابع الحركات، قال القزاز: الرجز والرجس واحد.
{أليم} أي بليغ الإيلام، الآية من الاحتباك: ذكر الهدى أولاً دليلاً على الضلال ثانياً، والكفر والعذاب ثانياً دليلاً على ضدهما أولاً، وسره أنه ذكر السبب المسعد ترغيباً فيه، والمشقي ترهيباً منه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن حقيقة هذا القرآن أنه هدى. هدى خالص مصفى. هدى ممحض لا يشوبه ضلال. فالذي يكفر بعد ذلك بالآيات، وهذه حقيقتها، يستحق ألم العذاب. الذي يمثله توكيد معنى الشدة والإيلام. فالرجز هو العذاب الشديد. والعذاب الذي يهددون به هو عذاب من رجز أليم.. تكرار بعد تكرار. وتوكيد بعد توكيد. يليق بمن يكفر بالهدى الخالص الممحض الصريح...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {هذا هدى} استئناف ابتدائي انتُقل به من وصف القرآن في ذاته بأنه منزل من الله وأنه من آيات الله إلى وصفه بأفضل صفاته بأنه هدى، فالإشارة بقوله: {هذا} إلى القرآن الذي هو في حال النزول وَالتِلاوةِ فهو كالشيء المشاهد، ولأنه قد سبق من أوصافه من قوله: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} [الجاثية: 2] وقوله: {تلك آيات الله} [الجاثية: 6] إلى آخره ما صيره متميزاً شخصاً بِحسن الإشارة إليه.
ووصف القرآن بأنه {هدى} من الوصف بالمصدر للمبالغة، أي: هاد للناس، فمن آمن فقد اهتدى، ومن كفر به فله عذاب؛ لأنه حَرَمَ نفسه من الهدى فكان في الضلال وارتبق في المفاسد والآثام.
فجملة {والذين كفروا} عطف على جملة {هذا هدى} والمناسبة أن القرآن من جملة آيات الله وأنه مذكِّر بها، فالذين كفروا بآيات الله كفروا بالقرآن في عموم الآيات، وهذا واقع موقع التذييل لما تقدمه ابتداء من قوله: {ويل لكل أفاك أثيم} [الجاثية: 7]. وجيء بالموصول وصلته لما تشعر به الصلة من أنهم حقيقون بالعقاب.
واستُحْضِروا في هذا المقام بعنوان الكُفر دون عنواني الإصرار والاستكبار اللذين استحضروا بهما في قوله: {ثم يُصِرّ مستكبراً} [الجاثية: 8] لأن الغرض هنا النعي عليهم إهمالهم الانتفاع بالقرآن وهو النعمة العظمى التي جاءتهم من الله فقابلوها بالكفران عوضاً عن الشكر، كما جاء في قوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون} [الواقعة: 82].
والرجز: أشد العذاب، قال تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يَفْسُقون} [البقرة: 59]. ويجوز أن يكون حرف {مِن} للبيان فالعذاب هو الرجز ويجوز أن يكون للتبعيض، أي عذاب مما يسمى بالرجز وهو أشده.
و {أليم} يجوز أن يكون وصفاً ل {عذاب} فيكون مرفوعاً وكذلك قرأه الجمهور، ويجوز أن يكون وصفاً ل {رجزٍ} فيكون مجروراً كما قرأه ابن كثير وحفص عن عاصم.
{هَـٰذَا..} إشارة إلى الهدى، وهو المنهج الذي جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن، والهدى هو الذي يهديك يعني يدلُّك على الطريق الموصِّل للغاية من أقرب الطرق وأسهلها وأكثرها أمناً دون مشقة على النفس.
وفي أول سورة البقرة: {أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ..} [البقرة: 5] فكأن الهدى مركب يحملك إلى غايتك، ودابة تسير بك حتى تنجيك.
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ..} قال (ربهم) مع أنهم كافرون به، لأنه تعالى رَبُّ يتودَّد إليهم حتى مع كفرهم وجحودهم، وهذا كما قلنا عطاء الربوبية الذي لا يُفرِّق بين مؤمن وكافر فيعطي الكل ويتحنَّن إلى الجميع، فهم جميعاً عباده وصَنْعته.
{لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} مرة يقول: عذاب أليم، ومرة {لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} والرجز هو أشد ألوان العذاب، والعذاب إيلام الحيِّ...
ومعنى {كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ..} يعني: ستروها وجحدوها، إذن: هي موجودة لكنهم أخفوْهَا، ومثله كفروا بالله يعني: ستروا وجوده سبحانه، فالسَّتْر لا يكون إلا لموجود أولاً ثم يُستر، فكأن الإيمانَ موجودٌ وأصله في النفس، ثم يأتي الكفر فيستره.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم). «الرجز» يعني الاضطراب والاهتزاز وعدم الانتظار، كما يقول الراغب في مفرداته، وتقول العرب: رجز البعير إذا تقاربت خطواته واضطرب لضعف فيه، وتطلق هذه الكلمة أيضاً على مرض الطاعون والابتلاءات الصعبة، أو العواصف الثلجية الشديدة، والوساوس الشيطانية وأمثال ذلك؛ لأنّ كلّ هذه الأُمور تبعث على الاضطراب والتزلزل وعدم الانتظام والانضباط، وإنّما يقال لأشعار الحرب (رجز) لأنّها مقاطع قصيرة متقاربة أو لأنّها تلقي الرعب والاضطراب بين صفوف الأعداء.