فلما بين آياته القرآنية والعيانية وأن الناس فيها على قسمين ، أخبر أن القرآن المشتمل على هذه المطالب العالية أنه هدى فقال : { هَذَا هُدًى } وهذا وصف عام لجميع القرآن ، فإنه يهدي إلى معرفة الله تعالى بصفاته المقدسة وأفعاله الحميدة ، ويهدي إلى معرفة رسله وأوليائه وأعدائه ، وأوصافهم ، ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها ، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال ويبين الجزاء الدنيوي والأخروي ، فالمهتدون اهتدوا به فأفلحوا وسعدوا ، { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } الواضحة القاطعة التي لا يكفر بها إلا من اشتد ظلمه وتضاعف طغيانه ، { لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ }
قوله تعالى : " هذا هدى " ابتداء وخبر ، يعني القرآن . وقال ابن عباس : يعني كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . " والذين كفروا بآيات ربهم " أي جحدوا دلائله . " لهم عذاب من رجز أليم " الرجز العذاب . أي لهم عذاب من عذاب أليم ، دليله قوله تعالى : " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء " {[13779]} [ البقرة : 59 ] أي عذابا . وقيل : الرجز القذر مثل الرجس ، وهو كقوله تعالى : " ويسقى من ماء صديد " {[13780]} [ إبراهيم : 16 ] أي لهم عذاب من تجرع الشراب القذر . وضم الراء من الرجز ابن محيصن حيث وقع . وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحفص " أليم " بالرفع ، على معنى لهم عذاب أليم من رجز . الباقون بالخفض نعتا للرجز .
ولما أخبر عما لمن أعرض {[57966]}عن الآيات{[57967]} بما هو-{[57968]} أجل موعظة وأردع زاجر عن الضلال ، قال مشيراً إلى ما افتتح به الكلام من المتلو الذي هذا منه : { هذا } أي التنزيل المتلو عليكم { هدى } أي{[57969]} عظيم جداً بالغ في-{[57970]} الهداية كامل فيها ، فالذين اهتدوا بآيات ربهم لأنهم -{[57971]} لم يغتروا بالحاضر لكونه زائلاً فاستعملوا عقولهم فآمنوا به لهم نعيم مقيم { والذين كفروا } أي ستروا ما دلتهم{[57972]} عليهم مرائي عقولهم به - هكذا كان الأصل ، ولكنه نبه على أن كل جملة من جمله ، بل كل{[57973]} كلمة من كلماته{[57974]} دلالة واضحة عليه سبحانه فقال : { بآيات ربهم } أي وهذه التغطية بسبب التكذيب بالعلامات الدالة على وحدانية المحسن إليهم فضلوا عن السبيل لتفريطهم{[57975]} في النظر{[57976]} لغرورهم بالحاضر الفاني { لهم عذاب } كائن-{[57977]} { من رجز } أي عقاب-{[57978]} قذر{[57979]} شديد جداً عظيم القلقلة{[57980]} والاضطراب{[57981]} متتابع{[57982]} الحركات ، قال القزاز ، الرجز والرجس واحد { أليم * } أي بليغ الإيلام ، الآية من الاحتباك : ذكر الهدى أولاً دليلاً على الضلال ثانياً ، والكفر والعذاب ثانياً دليلاً{[57983]} على ضدهما أولاً ، وسره أنه ذكر السبب المسعد ترغيباً فيه ، والمشقي ترهيباً منه .
{ هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ( 11 ) }
هذا القرآن الذي أنزلناه عليك -يا محمد- هدى من الضلالة ، ودليل على الحق ، يهدي إلى طريق مستقيم مَن اتبعه وعمل به ، والذين جحدوا بما في القرآن من الآيات الدالة على الحق ولم يُصَدِّقوا بها ، لهم عذابٌ مِن أسوأ أنواع العذاب يوم القيامة ، مؤلم موجع .
قوله : { هذا هدى } المراد باسم الإشارة { هذا } القرآن ، فقد أنزله الله للعالمين ليكون لهم { هدى } يستدلون به على الحق ويستضيئون به لبلوغ السداد والرشاد . إن القرآن أو الإسلام هداية للناس يبصّرهم بالطريق السوي المستقيم ويستنقذهم من الضلال والباطل والنار ليبوءوا بالسعادة والنجاة { والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم } الذين جحدوا القرآن وكذبوا به لهم من الله سوء الجزاء إذ أعد لهم عذابا من رجز أليم وجيع . والرجز معناه العذاب أو القذر{[4183]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.