الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُونِ أَهۡدِكُمۡ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (38)

قوله تعالى : " وقال الذي آمن ياقوم اتبعون " هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون ، أي اقتدوا بي في الدين . " سبيل الرشاد " أي طريق الهدى وهو الجنة . وقيل : من قول موسى . وقرأ معاذ بن جبل " الرشاد " بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية ؛ لأنه إنما يقال أرشد يرشد ولا يكون فعال من أفعل إنما يكون من الثلاثي ، فإن أردت التكثير من الرباعي قلت : مفعال . قال النحاس : يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه ، ولكن كما يقال لآل من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريا عليه . ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد ، كما قال :

كِلِينِي لهَمٍّ يا أمَيْمَة نَاصِبٍ{[13379]}

الزمخشري : وقرئ " الرشاد " فعال من رشد بالكسر كعلام أو من رشد بالفتح كعباد . وقيل : من أرشد كجبار من أجبر وليس بذاك ؛ لأن فعالا من أفعل لم يجئ إلا في عدة أحرف ، نحو دَرَّاكٍ وسَأَّرٍ وقَصَّارٍ وجَبَّارٍ . ولا يصح القياس على هذا القليل . ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعَوَّاجٍ وبَتاَّتٍ{[13380]} غير منظور فيه إلى فعل . ووقع في المصحف " اتبعون " بغير ياء . وقرأها يعقوب وابن كثير بالإثبات في الوصل والوقف . وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقف وأثبتوها في الوصل ، إلا ورشا حذفها في الحالين ، وكذلك الباقون ؛ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء ومن أثبتها فعلى الأصل .


[13379]:البيت للنابغة الذبياني وتمامه: * وليل أقاسيه بطيء الكواكب*
[13380]:العواج: بياع العاج، والبتات: بياع البت وهو كساء غليظ
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِيٓ ءَامَنَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُونِ أَهۡدِكُمۡ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (38)

ولما كان فساد ما قاله فرعون أظهر من أن يحتاج إلى بيان ، أعرض المؤمن عنه تصريحاً ، ولوّح إلى ما حكاه الله عنه من أنه محيط به الهلاك تلويحاً في قوله منادياً قومه ومستعطفاً لهم ثلاث مرات : الأولى على سبيل الإجمال في الدعوة ، والأخريان على سبيل التفصيل ، فقال تعالى عنه : { وقال الذي آمن } أي مشيراً إلى وهي قول فرعون بالإعراض عنه ، وعبر بالفعل إشارة إلى أنه ينبغي لأدنى أهل الإيمان أن لا يحقر نفسه عن الوعظ : { يا قوم } أي يا من لا قيام لي إلا بهم فأنا غير متهم في نصيحتهم { اتبعون } أي كلفوا أنفسكم اتباعي لأن السعادة غالباً تكون فيما يكره الإنسان { أهدكم سبيل } أي طريق { الرشاد * } أي الهدى لأنه مع سهولته واتساعه موصل ولا بد إلى المقصود ، وأما ما قال فرعون مدعياً أنه سبيل الرشاد لا يوصل إلا إلى الخسار ، فهو تعريض به شبيه بالتصريح .