في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

69

وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما . فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا :

( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم ) . .

قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه ، ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة . وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم ! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت . يفديها بذبح عظيم . قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل !

وقيل له : ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) . . نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !

ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى ، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم ، الذي تتبع ملته ، والذي ترث نسبه وعقيدته . ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ? ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا ، ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم !

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

وقرأ زيد بن علي قد صدقت بحذفها ، وقرئ { صَدَّقْتَ } بالتخفيف ، وقرأ فياض { *الريا } بكسر الراء والإدغام ، وتصديقه عليه السلام الرؤيا توفيته حقها من العمل وبذل وسعه في إيقاعها وذلك بالعزم والإتيان بالمقدمات ولا يلزم فيه وقوع ما رآه بعينه ، وقيل هو إيقاع تأويلها وتأويلها ما وقع ، ويفهم من كلام الإمام أنه الاعتراف بوجوب العمل بها ، ولا يدل على الإتيان بكل ما رآه في المنام ، وهل أمر عليه السلام الشفرة على حلقه أم لا قولان ذهب إلى الثاني منهما كثير من الأجلة ، وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه عليه السلام لما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، وأخرج هو . وابن جرير . وابن أبي حاتم . والطبراني . وابن مردويه . والبيهقي في «شعب الإيمان » عنه أنه عالج قميصه ليخلعه فنودي بذلك .

وأخرج ابن المنذر . والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضاً فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحمل المدية حتى نودي أن يا أبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ، وأخرج عبد بن حميد . وغيره عن مجاهد فلما أدخل يده ليذبحه نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع رأسه فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه فذبحه ، وفي رواية أخرى عنه أخرجها عبد بن حميد أيضاً . وابن المنذر أنه أمر السكين فانقلبت ، وإلى عدم الإمرار ذهبت اليهود أيضاً لما في توراتهم مد إبراهيم يده فأخذ السكين فقال له ملاك الله من السماء قائلاً : يا إبراهيم يا إبراهيم قال : لبيك قال : لا تمد يدك إلى الغلام ولا تصنع به شيئاً ، وذهب إلى الأول طائفة فمنهم من قال : أنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه ، ومنهم من قال : أنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه ، ومنهم من قال : أنه أمرها ولم تقطع لمانع ، فقد أخرج سعيد بن منصور . وابن المنذر عن عطاء بن يسار أنه عليه السلام قام إليه بالشفرة فبرك عليه فجعل الله تعالى ما بين لبته إلى منحره نحاساً لا تؤثر فيه الشفرة ، وأخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم عن السدي أنه عليه السلام جر السكين على حلقه فلم ينحر وضرب الله تعالى على حلقه صفيحة من نحاس ، وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن فضيل بن عياض قال : أضجعه ووضع الشفرة فقلبها جبريل عليه السلام ، وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء أنه نحر في حلقه فإذا هو قد نحر في نحاس فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثاً بالحجر ، وضعف جميع ذلك .

وقيل إنه عليه السلام ذبح لكن كان كلما قطع موضعاً من الحق أوصله الله تعالى ، وزعموا ورود ذلك في بعض الأخبار ولا يكاد يصح ، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى ما يتعلق بهذا المقام من الكلام ، وجواب لما محذوف مقدر بعد { قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا } أي كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما الله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك ؛ وهو أولى من تقدير فإذا ونحوه ، وقدره بعض البصريين بعد { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [ الصافات : 103 ] أي أجز لنا أجرهما ، وعن الخليل . وسيبويه تقديره قبل { وَتَلَّهُ } قال في «البحر » : والتقدير فلما أسلما أسلما وتله ، وقال ابن عطية : وهو عندهم كقول امرئ القيس

: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى *** أي أجزنا وانتحى ، وهو كما ترى ، وقال الكوفيون : الجواب مثبت وهو { وناديناه } على زيادة الواو ، وقالت فرقة : هو و { *تله } على زيادتها أيضاً ، ولعل الأولى ما تقدم .

وقوله تعالى : { العالمين إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين } ابتداء كلام غير داخل في النداء وهو تعليل لإفراج تلك الشدة المفهوم من الجواب المقدر أو من الجواب المذكور أعني نادينا الخ على القول بأنه الجواب أو منه وإن لم يكن الجواب والعلة في المعنى إحسانهما ، وكونه تعليلاً لما انطوى عليه الجواب من الشكر ليس بشيء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

{ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ } أي : قد فعلت ما أمرت به ، فإنك وطَّنت نفسك على ذلك ، وفعلت كل سبب ، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } في عبادتنا ، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

قوله تعالى : { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } تم الكلام ههنا ثم ابتدأ فقال : { إنا كذلك نجزي المحسنين } والمعنى : إنا كما عفونا عن إبراهيم عن ذبح ولده نجزي من أحسن في طاعتنا ، قال مقاتل : جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح أبيه .