في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (12)

هذا المقطع كله يظلله جو الآخرة ، وظل الخوف من عذابها ، والرجاء في ثوابها . ويبدأ بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى إعلان كلمة التوحيد الخالصة ؛ وإعلان خوفه - وهو النبي المرسل - من عاقبة الانحراف عنها ، وإعلان تصميمه على منهجه وطريقه ، وتركهم هم إلى منهجهم وطريقهم . وبيان عاقبة هذا الطريق وذاك ، يوم يكون الحساب .

( قل : إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ؛ وأمرت لأن أكون أول المسلمين . قل : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) . .

وهذا الإعلان من النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بأنه مأمور أن يعبد الله وحده ، ويخلص له الدين وحده ؛ وأن يكون بهذا أول المسلمين ؛ وأنه يخاف عذاب يوم عظيم إن هو عصى ربه . . هذا الإعلان ذو قيمة كبرى في تجريد عقيدة التوحيد كما جاء بها الإسلام . فالنبي [ صلى الله عليه وسلم ] في هذا المقام هو عبد لله . هذا مقامه لا يتعداه . وفي مقام العبادة يقف العبيد كلهم صفاً ، وترتفع ذات الله سبحانه متفردة فوق جميع العباد . . وهذا هو المراد .

وعند ذلك يقر معنى الألوهية ، ومعنى العبودية ، ويتميزان ، فلا يختلطان ولا يشتبهان ، وتتجرد صفة الوحدانية لله سبحانه بلا شريك ولا شبيه . وحين يقف محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في مقام العبودية لله وحده يعلن هذا الإعلان ، ويخاف هذا الخوف من العصيان ، فليس هنالك مجال لدعوى شفاعة الأصنام أو الملائكة بعبادتهم من دون الله أو مع الله بحال من الأحوال .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (12)

{ وَأُمِرْتُ لاِنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين } أي وأمرت بذلك لأجل أن أكون مقدم المسلمين في الدنيا والآخرة لأن إحراز قصب السبق في الدين بالإخلاص فيه وإخلاصه عليه الصلاة والسلام أتم من إخلاص كل مخلص فالمراد بالأولية الأولية في الشرف والرتبة ، والعطف لمغايرة الثاني الأول بتقييده بالعلة والإشعار بأن العبادة المذكورة كما تقتضي الأمر بها لذاتها تقتضيه لما يلزمها من السبق في الدين ، وإلى حذف متعلق الأمر وكون اللام تعليلية ذهب البصريون في هذه الآية ونحوها ؛ وذهب غيرهم إلى أنها زائدة ، واستدل له بتركها في قوله تعالى : { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين } [ النمل : 91 ] { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين } [ يونس : 104 ] { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } [ الأنعام : 14 ] وكل ذلك محتمل لتقدير اللام فلا تغفل ؛ ولا تزاد إلا مع أن لفظاً أو تقديراً دون الاسم الصريح وذلك لأن الأصل في المفعول به أن يكون اسماً صريحاً فكأنها زيدت عوضاً من ترك الأصل إلى ما يقول مقامه كما يعوض السين في اسطاع عوضاً من ترك الأصل الذي هو أطوع ، وهذه الزيادة وإن كانت شاذة قياساً إلا أنها لما كثرت استعمالاً جاز استعمالها في القرآن والكلام الفصيح ، ومثل هذا يقال في زيادتها مع فعل الإرادة نحو أردت لأن أفعل . وجعل الزمخشري وجه زيادتها معه أنها لما كان فيها معنى الإرادة زيدت تأكيداً لها وجعل وجهاً في زيادتها مع فعل الأمر أيضاً لاسيما والطلب والإرادة عندهم من باب واحد ، وفي المعنى أوجه أن أكون أول من أسلم في زماني ومن قومي أي إسلاماً على وفق الأمر ، وأن أكون أول الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاماً ، وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره لأكون مقتدى بي قولي وفعلي جميعاً ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون بما لا يفعلون ، وأن أفعل ما أستحق به الأولية والشرف من أعمال السابقين دلالة على السبب وهي الأعمال التي يستحق بها الشرف بالمسبب وهو الأولية والشرف المذكور في «النظم الجليل » ذكر ذلك الزمخشري . وفي «الكشف » المختار من الأوجه الأربعة الوجه الثاني فإنه المكرر الشائع في القرآن الكريم وفيه سائر المعاني الأخر من موافقة القول الفعل ولزوم أولية الشرف من أولية التأسيس مع أنه ليس فيه أنه أمر بأن يكون أشرف وأسبق فافهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (12)

{ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ } لأني الداعي الهادي للخلق إلى ربهم ، فيقتضي أني أول من ائتمر بما آمر به ، وأول من أسلم ، وهذا الأمر لا بد من إيقاعه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وممن زعم أنه من أتباعه ، فلا بد من الإسلام في الأعمال الظاهرة ، والإخلاص للّه في الأعمال الظاهرة والباطنة .