الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (12)

قوله : { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ } : في هذه اللامِ وجهان ، أحدهما : أنها للتعليلِ تقديره : وأُمِرْتُ بما أُمِرْتُ به لأَنْ أكونَ . قال الزمخشري : " فإن قلتَ : كيف عَطَفَ " أُمِرْت " على " أُمِرت " وهما واحدٌ ؟ قلت : ليسا بواحدٍ لاختلافِ جهتيهما : وذلك أنَّ الأمرَ بالإِخلاصِ وتكليفَه شيءٌ ، والأمرَ به ليُحْرِز به قَصَبَ السَّبْقِ في الدين شيءٌ آخرُ . وإذا اختلفَ وجها الشيء وصفتاه يُنَزَّل بذلك مَنْزِلَةَ شيئين مختلفين " . والثاني أن تكونَ اللامُ مزيدةً في " أَنْ " . قال الزمخشري : " ولك أن تَجْعَلَ اللامَ مزِيدَةً ، مَثَلُها في قولك : " أَرَدْتُ لأَنْ أفعلَ " ولا تُزاد إلاَّ مع " أَنْ " خاصةً دونَ الاسمِ الصريح ، كأنها زِيْدَتْ عوضاً من تَرْكِ الأصل إلى ما يقومُ مَقامَه ، كما عُوِّض السينُ في " اسطاع " عوضاً من تَرْكِ الأصل الذي هو أَطْوَعَ . والدليلُ على هذا الوجهِ مجيئُه بغيرِ لامٍ في قولِه : { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 72 ] { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ يونس : 104 ] { أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } [ الأنعام : 14 ] انتهى .

قوله : " ولا تُزاد إلا مع أنْ " فيه نظرٌ ، من حيث إنها تُزاد باطِّرادٍ إذا كان المعمولُ متقدماً ، أو كان العامل فرعاً . وبغير اطِّرادٍ في غيرِ الموضعين ، ولم يَذْكُرْ أحدٌ من النحويين هذا التفصيلَ . وقوله : " كما عُوِّض السينُ في اسْطاع " هذا على أحد القولين . والقول الآخر أنَّه استطاع فحُذِفَتْ تاءُ الاستفعالِ . وقوله : " والدليلُ عليه مجيئُه بغير لامٍ " قد يُقال : إنَّ أصلَه باللامِ ، وإنما حُذِفَتْ لأنَّ حَرْفَ الجرِّ يَطَّرِدُ حَذْفُه مع " أنْ " و " أنَّ " ، ويكون المأمورُ به محذوفاً تقديرُه : وأُمِرْت أن أعبدَ لأَنْ أكونَ .