في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (54)

46

وبعد الوعيد بعذاب الدنيا الذي يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ، جعل يكرر استنكاره لاستعجالهم بالعذاب ، وجهنم لهم بالمرصاد :

( يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) . .

وعلى طريقة القرآن في التصوير ، وفي استحضار المستقبل كأنه مشهود ، صور لهم جهنم محيطة بالكافرين . وذلك بالقياس إليهم مستقبل مستور ؛ ولكنه بالقياس إلى الواقع المكشوف لعلم الله حاضر مشهود . وتصويره على حقيقته المستورة يوقع في الحس رهبة ، ويزيد استعجالهم بالعذاب نكارة . فأنى يستعجل من تحيط به جهنم ، وتهم أن تطبق عليه وهو غافل مخدوع ? !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (54)

وإذ قد كان الله أعد لهم عذاباً أعظم من عذاب يوم بدر وهو عذاب جهنم الذي يعم جميعهم أعقب إنذارهم بعذاب يوم بدر بإنذارهم بالعذاب الأعظم . وأعيد لأجله ذكر استعجالهم بالعذاب معترضاً بين المتعاطفين إيماء إلى أن ذلك جواب استعجالهم فإنهم استعجلوا العذاب فأُنذروا بعذابين ، أحدهما أعجل من الآخر . وفي إعادة : { يستعجلونك بالعذاب } تهديد وإنذار بأخذهم ، فجملة : { وإن جهنم } معطوفة على جملة : { وليأتينهم بغتة } فهما عذابان كما هو مقتضى ظاهر العطف .

والإحاطة كناية عن عدم إفلاتهم منها .

والمراد { بالكافرين } المستعجلون ، واستُحضروا بوصف الكافرين للدلالة على أنه موجب إحاطة العذاب بهم . واستعمل اسم الفاعل في الإحاطة المستقبلة مع أن شأن اسم الفاعل أن يفيد الاتصاف في زمن الحال ، تنزيلاً للمستقبل منزلة زمان الحال تنبيهاً على تحقيق وقوعه لصدوره عمن لا خلاف في إخباره .