في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِينَ} (46)

23

ثم يجمل قصة موسى في الرسالة والتكذيب لتتمشى مع نسق العرض وهدفه المقصود :

ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وبسلطان مبين ، إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين . فقالوا : أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ? فكذبوهما فكانوا من المهلكين .

ويبرز في هذا الاستعراض الاعتراض ذاته على بشرية الرسل : ( فقالوا : أنؤمن لبشرين مثلنا ) . ويزيد عليه تلك الملابسة الخاصة بوضع بني إسرائيل في مصر : ( وقومهما لنا عابدون )مسخرون خاضعون . وهي أدعى - في اعتبار فرعون وملئه - إلى الاستهانة بموسى وهارون !

فأما آيات الله التي معهما ، وسلطانه الذي بأيديهما ، فكل هذا لا إيقاع له في مثل تلك القلوب المطموسة ، المستغرقة في ملابسات هذه الأرض ، وأوضاعها الباطلة ، وقيمها الرخيصة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِينَ} (46)

و «الملأ » هنا الجمع يعم الأشراف وغيرهم ، و { استكبروا } ، معناه عن الإيمان بموسى وأخيه لأَنهم أنفوا من ذلك ، و { عالين } ، معناه قاصدين للعلو بالظلم والكبرياء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِينَ} (46)

ملأ فرعون : أهل مجلسه وعلماء دينه وهم السحرة . وإنما جعل الإرسال إليهم دون بقية أمة القبط لأن دعوة موسى وأخيه إنما كانت خطابا لفرعون وأهل دولته الذين بيدهم تصريف أمور الأمة لتحرير بني إسرائيل من استعبادهم إياهم قال تعالى : { فاتِياه فَقُولا إنَّا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم } [ طه : 47 ] . ولم يرسلا بشريعة إلى القبط . وأما الدعوة إلى التوحيد فمقدمة لإثبات الرسالة لهم .

وعطف { فاستكبروا } بفاء التعقيب يفيد أنهم لم يتأملوا الدعوة والآيات والحجة ولكنهم أفرطوا في الكبرياء ، فالسين والتاء للتوكيد ، أي تكبروا كبرياء شديدة بحيث لم يعيروا آيات موسى وحجته أذناً صاغية .

وجملة { وكانوا قوماً عالين } معترضة بين فعل { استكبروا } وما تفرع عليه من قوله { فقالوا } في موضع الحال من فرعون وملئه ، أي فاستكبروا بأن أعرضوا عن استجابة دعوة موسى وهارون وشأنهم الكبرياء والعلو ، أي كان الكبر خلقهم وسجيتهم . وقد بينا عند قوله تعالى : { لآياتتٍ لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ) أن إجراء وصف على لفظ ( قوم ) أو الإخبار بلفظ ( قوم ) متبوع باسم فاعل إنما يقصد منه تمكن ذلك الوصف من الموصوف بلفظ ( قوم ) أو تمكنه من أولئك القوم . فالمعنى هنا : أن استكبارهم على تلقي دعوة موسى وآياته وحجته إنما نشأ عن سجيتهم من الكبر وتطبعهم . فالعلو بمعنى التكبر والجبروت . وسيجيء بيانه عند قوله : { إن فرعون علا في الأرض } في سورة القصص ( 4 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمًا عَالِينَ} (46)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فاستكبروا} يعني: فتكبروا عن الإيمان بالله، عز وجل، {وكانوا قوما عالين}، يعني: متكبرين عن توحيد الله.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 45]

يقول تعالى ذكره: ثم أرسلنا بعد الرسل الذين وصف صفتهم قبل هذه الآية، موسى وأخاه هارون إلى فرعون وأشراف قومه من القبط "بآياتِنَا "يقول: بحججنا، "فاسْتَكْبَرُوا" عن اتّباعها والإيمان بما جاءهم به من عند الله. "وكانُوا قَوْما عالِينَ" يقول: وكانوا قوما عالين على أهل ناحيتهم ومن في بلادهم من بني إسرائيل وغيرهم بالظلم، قاهرين لهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم: متكبرين متجبرين...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" فاستكبروا "أي: تكبروا وتجبروا عن الإجابة لهما، وطلبوا بذلك الكبر، فكل مستكبر من العباد جاهل، لأنه يطلب أن يعظم بما فوق العبد، وهو عبد لله مملوك يلزمه التذلل له والخضوع، فهي صفة ذم للعبد. وكذلك جبار ومتجبر، وهو مدح في صفات الله تعالى، لأن صفته تجل عن صفات المخلوقين، وتعلو فوق كل صفة.

"وكانوا قوما عالين" أي كانوا قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم ولهذا كانت صفة ذم. والعالي: القاهر القادر الذي مقدوره فوق مقدور غيره لعظمه يقال: علا فلان إذا ترفع وطغا وتجاوز، ومنه قوله: "ألا تعلوا علي"، وقوله: "إن فرعون علا في الأرض"، وقوله: "قد أفلح اليوم من استعلى" أي من علا على صاحبه وقهره بالحجة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و «الملأ» هنا الجمع يعم الأشراف وغيرهم، و {استكبروا}، معناه عن الإيمان بموسى وأخيه لأَنهم أنفوا من ذلك، و {عالين}، معناه قاصدين للعلو بالظلم والكبرياء.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه سبحانه حكى عن فرعون وقومه صفتهم ثم ذكر شبهتهم؛

أما صفتهم فأمران؛

أحدهما: الاستكبار والأنفة.

والثاني: أنهم كانوا قوما عالين أي رفيعي الحال في أمور الدنيا...

وأما شبهتهم فهي قولهم: {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون}.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 45]

يخبر تعالى أنه بعث رسوله موسى، عليه السلام، وأخاه هارون إلى فرعون وملئه، بالآيات والحجج الدامغات، والبراهين القاطعات، وأن فرعون وقومه استكبروا عن اتباعهما، والانقياد لأمرهما، لكونهما بَشرين كما أنكرت الأمم الماضية بعثة الرسل من البشر، تشابهت قلوبهم، فأهلك الله فرعون وملأه، وأغرقهم في يوم واحد أجمعين.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إلى فرعون وملأه} أي وقومه.

ولما كان الأطراف لا يخالفون الأشراف، عدهم عدماً، ومن الواضح أن التقدير: أن اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، وأشار بقوله: {فاستكبروا} إلى أنهم أوجدوا الكبر عن الاتباع فيما دعوا إليه عقب الإبلاغ من غير تأمل ولا تثبت وطلبوا أن لا يكونوا تحت أمر من دعاهم، وأشار بالكون إلى فساد جبلتهم فقال: {وكانوا قوماً} أي أقوياء {عالين} على جميع من يناويهم من أمثالهم.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} أي: وصفهم العلو والقهر والفساد في الأرض، فلهذا صدر منهم الاستكبار، ذلك غير مستكثر منهم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ملأ فرعون: أهل مجلسه وعلماء دينه وهم السحرة. وإنما جعل الإرسال إليهم دون بقية أمة القبط لأن دعوة موسى وأخيه إنما كانت خطابا لفرعون وأهل دولته الذين بيدهم تصريف أمور الأمة لتحرير بني إسرائيل من استعبادهم إياهم. قال تعالى: {فاتِياه فَقُولا إنَّا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم} [طه: 47]. ولم يرسلا بشريعة إلى القبط. وأما الدعوة إلى التوحيد فمقدمة لإثبات الرسالة لهم...

وعطف {فاستكبروا} بفاء التعقيب يفيد أنهم لم يتأملوا الدعوة والآيات والحجة ولكنهم أفرطوا في الكبرياء، فالسين والتاء للتوكيد، أي تكبروا كبرياء شديدة بحيث لم يعيروا آيات موسى وحجته أذناً صاغية...

كان الكبر خلقهم وسجيتهم...

فالمعنى هنا: أن استكبارهم على تلقي دعوة موسى وآياته وحجته إنما نشأ عن سجيتهم من الكبر وتطبعهم. فالعلو بمعنى التكبر والجبروت. وسيجيئ بيانه عند قوله: {إن فرعون علا في الأرض} في سورة القصص (4)...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

فرعون في عصره كان طاغية الدنيا، وكان المصريون قد استسلموا له، وكان ملؤه حكام مصر يحكمون بطغيانه، ويسولون له كل ما يفعل، ويسوغون له ما به يعلو ويسرف، وباسمه عتوا عن أمر العقل والمنطق والحق، بعث الله تعالى موسى وهارون إلى هؤلاء وكل يعتز بعزة فرعون، وكانوا يستفتحون بعزته، فكانوا من منطق الوقائع، لا من منطق الحق والعقل مستكبرين، ولذا رتب على حالهم أنهم مستكبرون... وكانوا قوما عالين، أي مرتفعين عن الناس، لا في ذات أنفسهم، بل بحكم واقع الحكم والأمور التي تسير سيرا مطردا، وهم يعلون في أنفسهم ادعاء وغلوا وطغيانا لا يستمعون إلى الحق، ولا يصغون إلى داعية، يغالون في رده..

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

كشف الله الستار عن السر في عناد أعداء الله الذين لا يومنون بالله ورسله، مشيرا إلى أن الفئة التي تتزعم الكفر والضلال، ضد الإيمان والهدى، في كل جيل، هي من ذلك النوع المترف المتكبر المغرور، الذي نال من الثروة وسعة الرزق، ومن النفوذ والسلطان، ما يجعله يتكبر ويتطاول على الخلق، ولا يجيب داعي الحق، يدل على ذلك قوله تعالى في هذا الربع فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ} وقوله في الربع الماضي في وصف "الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ": {وأترفناهم في الحياة الدنيا}، وقوله تعالى في آية أخرى {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون} [سبأ: 34].

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِلَى فِرْعَوْنَ وَملإه} أي: وقومه، باعتبارهم الطبقة المهيمنة على الواقع كله، والقوّة القاهرة التي تمنع المستضعفين من ممارسة حرياتهم واختيار قناعاتهم الفكرية لجهة ما يؤمنون به وما يجحدونه ويكفرون به، فجاءت دعوتهما إلى الإيمان وإلى رفع أيديهم عن المستضعفين، ليكون الدين كله لله، ولتكون الحرية للمستضعفين من عباد الله.. وربما كان ذكر فرعون لما يمثله من تسلّط واستعلاء، فكانت الدعوة موجّهة إليه أولاً، وذلك من باب أن الصدمة لا بد من أن توجّه للسلطة العليا في بادئ الأمر، إضعافاً لمركزها وزلزلة لمواقعها وإذهاباً لهيبتها وإفساحاً في المجال أمام الضعفاء بالتمرد عليها عند سقوط قناع العظمة الزائفة المخفية تحته نقاط الضعف، بحيث يسقط تأثير القوّة في القلوب، عندما تسقط مصداقيتها في الواقع. وجاء موسى وأخوه هارون إلى هؤلاء القوم، وأعلنا لهم الدعوة إلى الإيمان بالله الواحد، والسير على النهج الرسالي في شريعته، والابتعاد عن اضطهاد المستضعفين.. وكان ذلك مفاجأةً لهم، فكيف يجرؤ هذان اللذان لا يملكان أيّة قوّة على الوقوف موقف التحدي للعظمة الفرعونية التي تقف في مصافّ الالهة؟! {فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ} يعيشون الكبرياء والإحساس بالعلوّ على الناس، لما يملكونه من امتيازات طبيعية وما يحتلّونه من مراكز متقدمة، وكانت الربوبيّة التي كان يتربع عليها فرعون ويريد للناس أن يصدّقوه قمّة هذا العلوّ وهذه الكبرياء. وشكّلت الكبرياء أساساً لرفض كلّ موقف رسالي في شكله ومضمونه.. وكان المنطق الذي يستخدمونه في الرفض منطق الطبقة العليا التي تحتقر الطبقة السفلى، وتحتقر كل طروحاتها، لأن من يملك شرعية مخاطبة الطبقة العليا هم الذين يقفون في المستوى نفسه من السلّم الاجتماعي.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لماذا تتحدّث الآية فقط عن الملأ: المجتمع المترف المعاند أو ما يسمّى بطبقة الأشراف، ولم تقل أنّ رسالتهما إلى شعب مصر كلّه. لعلّ ذلك إشارة إلى أنّ الفراعنة هم أساس الفساد، وإن صلحوا فالباقون أمرهم سهل. إضافةً إلى كونهم قادة البلد، ولا يصلح أي بلد إلاّ بصلاح قادته. إلاّ أنّهم (فاستكبروا) لأنّهم لم يرضخوا لآيات الحقّ والسلطان المبين. والفراعنة كانوا أساساً مستكبرين طاغين، كما تقول الآية (وكانوا قوماً عالين). والفرق بين العبارتين (استكبروا) و (كانوا قوماً عالين) أنّ العبارة الأُولى قد تكون إشارة إلى استكبارهم عن دعوة موسى (عليه السلام)، والعبارة الثّانية تشير إلى أنّ الاستكبار يشكّل دوماً برنامجهم وبناءهم الفكري والروحي. ويحتمل أيضاً أن تكون العبارة الأُولى إشارة إلى تكبّر الفراعنة، والثّانية إلى أنّهم كانوا يتمتّعون بقدرة متعالية وحياة متميّزة. وهذا سبب استكبارهم.