في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا} (27)

( إنهم كانوا لا يرجون حسابا ) . . ولا يتوقعون مآبا . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا} (27)

و «الجزاء » : نار ، و { يرجون } قال أبو عبيدة وغيره : معناه : يخافون ، وقال غيره : الرجاء هنا على بابه ، ولا رجاء إلا وهو مقترن بخوف ولا خوف إلا وهو مقترن برجاء ، فذكر أحد القسمين لأن المقصد العبارة عن تكذيبهم كأنه قال : إنهم كانوا لا يصدقون بالحساب ، فلذلك لا يرجونه ولا يخافونه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا} (27)

موقع هذه الجملة موقع التعليل لجملة { إن جهنم كانت مرصاداً إلى قوله جزاء وفاقاً } [ النبأ : 21 26 ] ، ولذلك فصلت .

وضمير { إنهم } عائد إلى { الطاغين } [ النبأ : 22 ] .

وحرف ( إنّ ) للاهتمام بالخبر وليست لرد الإِنكار إذ لا يُنْكر أحد أنهم لا يرجون حساباً وأنهم مكذبون بالقرآن وشأن ( إنّ ) إذا قصد بها مجرد الاهتمام أن تكون قائمة مقام فاء التفريع مفيدة للتعليل ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى : { إنك أنت العليم الحكيم } [ البقرة : 32 ] وقوله : { إن البقر تشابه علينا } في سورة البقرة ( 70 ) فالجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة { فذوقوا } [ النبأ : 30 ] .

وقد علمت مناسبة جزائهم لجُرمهم عند قوله آنفاً : { جزاء وفاقاً } [ النبأ : 26 ] مما يزيد وجه التعليل وضوحاً .

وقوله : { لا يرجون حساباً } نفي لرجائهم وقوع الجزاء .

والرجاء اشتهر في ترقب الأمر المحبوب ، والحساب ليس خيراً لهم حتى يجعل نفي ترقبه من قبيل نفي الرجاء فكان الظاهر أن يعبر عن ترقبه بمادة التوقع الذي هو ترقب الأمر المكروه ، فيَظهر أن وجه العدول عن التعبير بمادة التوقع إلى التعبير بمادة الرجاء أن الله لما أخبر عن جزاء الطاغين وعذابهم تلقى المسلمون ذلك بالمسرة وعلموا أنهم ناجون مما سيلقاه الطاغون فكانوا مترقبين يوم الحساب ترقب رجاء ، فنفي رجاء يوم الحساب عن المشركين جامعٌ بصريحه معنى عدم إيمانهم بوقوعه ، وبكنايته رجاء المؤمنين وقوعه بطريقة الكناية التعريضية تعريضاً بالمسلمين وهي أيضاً تلويحية لما في لازم مدلول الكلام من الخفاء .

ومن المفسرين من فسر { يرجون } بمعنى : يخافون ، وهو تفسير بحاصل المعنى ، وليس تفسيراً للَّفظ .

وفعل { كانوا } دال على أن انتفاء رجائهم الحساب وصف متمكن من نفوسهم وهم كائنون عليه ، وليس المراد بفعل { كانوا } أنهم كانوا كذلك فانقضى لأن هذه الجملة إخبار عنهم في حين نزول الآية وهم في الدنيا وليست مما يقال لهم أو عنهم يوم القيامة .

وجيء بفعل { يرجون } مضارعاً للدلالة على استمرار انتفاء ما عبر عنه بالرجاء ، وذلك لأنهم كلما أعيد لهم ذِكر يوم الحساب جدَّدوا إنكاره وكرروا شبهاتهم على نفي إمكانه لأنهم قالوا : { إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين } [ الجاثية : 32 ] .

والحساب : العدّ ، أي عدّ الأعمال والتوقيفُ على جزائها ، أي لا يرجون وقوع حساب على أعمال العباد يوم الحشر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا} (27)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني أنهم كانوا لا يخافون من العذاب أن يحاسبوا بأعمالهم الخبيثة إذا عملوها،...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

إن هؤلاء الكفار كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة الله إياهم في الآخرة على نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، وسوء شكرهم له على ذلك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فمنهم من ذكر أنهم لا يخافونه، ومنهم من حمله على حقيقة الرجاء، أي لم يكونوا يرجون الثواب. والوجه أنهم كانوا قوما لا يؤمنون بالبعث ولا بالجزاء والعذاب حتى يخافوا العقاب ويرجوا الثواب. فإن حملته على الخوف، فهم لم يخافوه لما لم يؤمنوا به، وكذلك إن حملته على حقيقة الرجاء، فهم لم يكونوا يرجون لما كذبوا به...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم علل- عذابهم بقوله، مؤكداً تنبيهاً على أن الحساب من الوضوح بحالة يصدق به كل أحد، فلا يكاد يصدق أن أحداً يكذب به فلا يجوزه فقال: {إنهم كانوا} أي بما هو لهم كالجبلة التي لا تقبل غير ذلك فهم يفسدون القوى العلمية بأنهم {لا يرجون} أي في حال من الأحوال ولو رأوا كل آية {حساباً} فهم لا يعملون بغير الشهوات، فوافق هذا خلودهم في النار، وعبر عن تكذيبهم بنفي الرجاء لأنه أبلغ، وذلك لأن الإنسان يطمع في الخير بأدنى احتمال.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

موقع هذه الجملة موقع التعليل لجملة {إن جهنم كانت مرصاداً إلى قوله جزاء وفاقاً} [النبأ: 21- 26]، ولذلك فصلت.

وضمير {إنهم} عائد إلى {الطاغين} [النبأ: 22].

وحرف (إنّ) للاهتمام بالخبر وليست لرد الإِنكار إذ لا يُنْكر أحد أنهم لا يرجون حساباً وأنهم مكذبون بالقرآن وشأن (إنّ) إذا قصد بها مجرد الاهتمام أن تكون قائمة مقام فاء التفريع مفيدة للتعليل، وتقدم ذلك عند قوله تعالى: {إنك أنت العليم الحكيم} [البقرة: 32] وقوله: {إن البقر تشابه علينا} في سورة البقرة (70) فالجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة {فذوقوا} [النبأ: 30].

وقد علمت مناسبة جزائهم لجُرمهم عند قوله آنفاً: {جزاء وفاقاً} [النبأ: 26] مما يزيد وجه التعليل وضوحاً.

وقوله: {لا يرجون حساباً} نفي لرجائهم وقوع الجزاء.

والرجاء اشتهر في ترقب الأمر المحبوب، والحساب ليس خيراً لهم حتى يجعل نفي ترقبه من قبيل نفي الرجاء فكان الظاهر أن يعبر عن ترقبه بمادة التوقع الذي هو ترقب الأمر المكروه، فيَظهر أن وجه العدول عن التعبير بمادة التوقع إلى التعبير بمادة الرجاء أن الله لما أخبر عن جزاء الطاغين وعذابهم تلقى المسلمون ذلك بالمسرة وعلموا أنهم ناجون مما سيلقاه الطاغون فكانوا مترقبين يوم الحساب ترقب رجاء، فنفي رجاء يوم الحساب عن المشركين جامعٌ بصريحه معنى عدم إيمانهم بوقوعه، وبكنايته رجاء المؤمنين وقوعه بطريقة الكناية التعريضية تعريضاً بالمسلمين وهي أيضاً تلويحية لما في لازم مدلول الكلام من الخفاء.

ومن المفسرين من فسر {يرجون} بمعنى: يخافون، وهو تفسير بحاصل المعنى، وليس تفسيراً للَّفظ.

وفعل {كانوا} دال على أن انتفاء رجائهم الحساب وصف متمكن من نفوسهم وهم كائنون عليه، وليس المراد بفعل {كانوا} أنهم كانوا كذلك فانقضى لأن هذه الجملة إخبار عنهم في حين نزول الآية وهم في الدنيا وليست مما يقال لهم أو عنهم يوم القيامة.

وجيء بفعل {يرجون} مضارعاً للدلالة على استمرار انتفاء ما عبر عنه بالرجاء، وذلك لأنهم كلما أعيد لهم ذِكر يوم الحساب جدَّدوا إنكاره وكرروا شبهاتهم على نفي إمكانه لأنهم قالوا: {إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين} [الجاثية: 32].

والحساب: العدّ، أي عدّ الأعمال والتوقيفُ على جزائها، أي لا يرجون وقوع حساب على أعمال العباد يوم الحشر.

الشعراوي-1419هـ:

هذا الجزاء الذي تقدم لماذا استحقوه؟!

استحقوه لأمرين: الأمر الأول: أنهم كانوا لا يرجون حساباً، كيف لا يرجون حسابا؟! لأنهم لا يؤمنون بالحساب، أو يؤمنون بالحساب ولكنهم يتعجبون كيف يعودون ثانية بعد أن كانوا عظاماً ورفاتاً.

فإذا استقرأت كل فساد الدنيا وجدته ناشئاً من أنهم {لا يرجون حساباً}. فإن المجتمع يفسد حين لا يرجو أعضاء المجتمع أو لا يتوقعون حساباً على تصرفاتهم، فحين توجد هذه الصفة في المجتمع، ولا يتوقع أحد حساباً على تصرفاته ينطلق كلٌّ في حركة حياته كما يحب ويشتهي، إذن فالضامن لصلاح المجتمع هو بعينه الضامن لصلاح الآخرة، فهؤلاء حدث لهم هذا لأنهم {كانوا لا يرجون حساباً}.

إذن فعدم توقع الحساب من الإنسان يجعله ينفلت في حركة حياته غير متقيد لا بنظام عقدي ولا بنظام قيمي؛ لأنه لا يتوقع حساباً. وكذلك الدنيا يكون الفساد فيها حين لا يتوقع الناس في المجتمع حساباً، أما إذا توقعوا حساباً، وتذكر كل إنسان أنه سيحاسب على تصرفه.. فهنا ينتظم المجتمع، وحين لا يتوقع حساباً.. يفسد المجتمع فساداً كبيراً.

فالمحاسب سيكون في مجتمعنا ثلاثة أشياء: إما الحاكم الذي نصبه الله ليقيم حدوده. وإما المجتمع. وإما النفس. وهذا هو ما انتهت إليه مدارس الجزاء الحديثة كلها، إلا أنها تمتاز بأن هناك حساباً آخر ترجوه في الآخرة، وتلك المدارس الحديثة لا تنظر إلى هذا الحساب، بل تنظر إلى حساب الدنيا.. المجتمع.. حساب الحاكم بتقنيناته.. حساب النفس؛ ولذلك نشأت مدرسة اسمها مدرسة الضمير، ونشأت مدرسة اسمها مدرسة المجتمع، ونشأت مدرسة الحاكم.. وهكذا.

ولكنا نقول لأصحاب هذه المدارس جميعاً: إن هذه الأشياء الثلاثة لم يهملها القرآن، ولم يهملها المذهب العقدي الإسلامي، لكن ما رأيك فيمن يحتاط للجريمة بحيث لا تقع عليه عين الحاكم، ولا عين المجتمع؟!

إذاً فالعاصم النهائي القوي الذي يستوعب كل هذا هو أن يعتقد الإنسان أنه محكوم أمام عين خبير لا تخفى عليه خافية، لا يستطيع أن يستتر عنه، وهو مردود إليه قطعاً ليجازيه.

إذا تأملنا قوله سبحانه وتعالى: {لا يرجُون حساباً} وجدناها قضية تنصرف، فالذين لا يرجون حساباً في الآخرة يفسدون الفساد الأصيل، من القمة كفراً بالله عز وجل. إلى أصغر الصغائر.