مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا} (27)

أولهما : قوله تعالى : { إنهم كانوا لا يرجون حسابا } وفيه سؤالان :

الأول : وهو أن الحساب شيء شاق على الإنسان ، والشيء الشاق لا يقال فيه إنه يرجى بل يجب أن يقال : إنهم كانوا لا يخشون حسابا ( والجواب ) من وجوه : ( أحدها ) : قال مقاتل وكثير من المفسرين قوله لا يرجون معناه لا يخافون ، ونظيره قولهم في تفسير قوله تعالى : { مالكم لا ترجون لله وقارا } ( وثانيها ) : أن المؤمن لا بد وأن يرجو رحمة الله لأنه قاطع بأن ثواب إيمانه زائد على عقاب جميع المعاصي سوى الكفر ، فقوله : { إنهم كانوا لا يرجون حسابا } إشارة إلى أنهم ما كانوا مؤمنين ( وثالثها ) : أن الرجاء ههنا بمعنى التوقع لأن الراجي للشيء متوقع له إلا أن أشرف أقسام التوقع هو الرجاء فسمى الجنس باسم أشرف أنواعه ( ورابعها ) : أن في هذه الآية تنبيها على أن الحساب مع الله جانب الرجاء فيه أغلب من جانب الخوف ، وذلك لأن للعبد حقا على الله تعالى بحكم الوعد في جانب الثواب ولله تعالى حق على العبد في جانب العقاب ، والكريم قد يسقط حق نفسه ، ولا يسقط ما كان حقا لغيره عليه ، فلا جرم كان جانب الرجاء أقوى في الحساب ، فلهذا السبب ذكر الرجاء ، ولم يذكر الخوف .

السؤال الثاني : أن الكفار كانوا قد أتوا بأنواع من القبائح والكبائر ، فما السبب في أن خص الله تعالى هذا النوع من الكفر بالذكر في أول الأمر ؟ ( الجواب ) : لأن رغبة الإنسان في فعل الخيرات ، وفي ترك المحظورات ، إنما تكون بسبب أن ينتفع به في الآخرة ، فمن أنكر الآخرة ، لم يقدم على شيء من المستحسنات ، ولم يحجم عن شيء من المنكرات ، فقوله : { إنهم كانوا لا يرجون حسابا } تنبيه على أنهم فعلوا كل شر وتركوا كل خير .