في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

( والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . . وما خلق الذكر والأنثى ) . . .

يقسم الله - سبحانه - بهاتين الآيتين : الليل والنهار . مع صفة كل منهما الصفة المصورة للمشهد . ( والليل إذا يغشى ) . ( والنهار إذا تجلى ) . . الليل حين يغشى البسيطة ، ويغمرها ويخفيها .

والنهار حين يتجلى ويظهر ، فيظهر في تجليه كل شيء ويسفر . وهما آنان متقابلان في دورة الفلك ، ومتقابلان في الصورة ، ومتقابلان في الخصائص ، ومتقابلان في الآثار . . كذلك يقسم بخلقه الأنواع جنسين متقابلين : ( وما خلق الذكر والأنثى ) . . تكملة لظواهر التقابل في جو السورة وحقائقها جميعا .

والليل والنهار ظاهرتان شاملتان لهما دلالة توحيان بها إيحاء للقلب البشري ؛ ولهما دلالة كذلك أخرى عند التدبر والتفكر فيهما وفيما وراءهما . والنفس تتأثر تأثرا تلقائيا بتقلب الليل والنهار . الليل إذا يغشى ويعم ، والنهار إذا تجلى وأسفر . ولهذا التقلب حديث وإيحاء . حديث عن هذا الكون المجهول الأسرار ، وعن هذه الظواهر التي لا يملك البشر من أمرها شيئا . وإيحاء بما وراء هذا التقلب من قدرة تدير الآونة في الكون كما تدار العجلة اليسيرة ! وبما هنالك من تغير وتحول لا يثبت أبدا على حال .

ودلالتهما عند التدبر والتفكر قاطعة في أن هنالك يدا أخرى تدير هذا الفلك ، وتبدل الليل والنهار . بهذا الانتظام وهذا الاطراد وهذه الدقة . وأن الذي يدير الفلك هكذا يدير حياة البشر أيضا . ولا يتركهم سدى ، كما أنه لا يخلقهم عبثا .

ومهما حاول المنكرون والمضلون أن يلغوا في هذه الحقيقة ، وأن يحولوا الأنظار عنها ، فإن القلب البشري سيظل موصولا بهذا الكون ، يتلقى إيقاعاته ، وينظر تقلباته ، ويدرك تلقائيا كما يدرك بعد التدبر والتفكر ، أن هنالك مدبرا لا محيد من الشعور به ، والاعتراف بوجوده من وراء اللغو والهذر ، ومن وراء الجحود والنكران !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

و أقسم الله ب { النهار إذا تجلى } ، أي ظهر وضوى الآفاق{[11854]} ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

تجلى السرى من وجهه عن صحيفة . . . على السير مشراق كريم شجونها{[11855]}


[11854]:ضوأ الشيء: أضاءه أي جعله مضيئا.
[11855]:تجلى الشيء: انكشف ووضح وظهر، وهو موضع الاستشهاد هنا، والسرى: السير ليلا، وقيل: هو سير الليل كله، تذكره العرب وتؤنثه. والصبيحة هي الصباح، وهو نقيض المساء، ومثلهما الإصباح. والمشراق: الموضع الذي تشرق عليه الشمس فينير، والشجن: هوى النفس وحاجاتها أينما كانت، وجمعه أشجان وشجون، ومن ذلك قول الشاعر: ذكرتك حيث استأمن الوحش والتقت رفاق به، والنفس شتى شجونها
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} (2)

والتجلّي : الوضوح ، وتجلي النهار : وضوح ضيائه ، فهو بمعنى قوله : { والشمس وضحاها } [ الشمس : 1 ] وقوله : { والضحى } [ الضحى : 1 ] .

وأشير إلى أن ظلمة الليل كانت غالبة لضوء النهار وأن النهار يعقبها والظلمةُ هي أصل أحوال أهل الأرض وجميع العوالم المرتبطة بالنظام الشمسي وإنما أضاءت بعد أن خلق الله الشمس ولذلك اعتبر التاريخ في البدء بالليالي ثم طَرأ عليه التاريخ بالأيام .

والقول في تقييد الليل بالظرف وتقييد النهار بمثله كالقول في قوله : { والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها في السورة السابقة } [ الشمس : 3 ، 4 ] .