في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (5)

( وأذنت لربها وحقت ) . . هي الأخرى كما أذنت السماء لربها وحقت . واستجابت لأمره مستسلمة مذعنة ، معترفة أن هذا حق عليها ، وأنها طائعة لربها بحقه هذا عليها . .

وتبدو السماء والأرض - بهذه الآيات المصورة - ذواتي روح . وخليقتين من الأحياء . تستمعان للأمر ، وتلبيان للفور ، وتطيعان طاعة المعترف بالحق ، المستسلم لمقتضاه ، استسلاما لا التواء فيه ولا إكراه .

ومع أن المشهد من مشاهد الانقلاب الكوني في ذلك اليوم . فإن صورته هنا يظللها الخشوع والجلال والوقار والهدوء العميق الظلال . والذي يتبقى في الحس منه هو ظل الاستسلام الطائع الخاشع في غير ما جلبة ولا معارضة ولا كلام !

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (5)

{ وأذنت لربها وحقت } واختلفوا في جواب إذا ، قيل : جوابه محذوف ، تقديره : إذا كانت هذه الأشياء يرى الإنسان الثواب والعقاب . وقيل جوابه : { يا أيها الإنسان إنك كادح } ومجازه : إذا انشقت لقي كل كادح ما عمله . وقيل : جوابه : { وأذنت } وحينئذ تكون الواو زائدة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (5)

" وأذنت لربها " أي في إلقاء موتاها " وحقت " أي وحق لها أن تسمع أمره . واختلف في جواب " إذا " فقال الفراء : " أذنت " . والواو زائدة ، وكذلك " وألقت " . ابن الأنباري : قال بعض المفسرين : جواب " إذا السماء انشقت " " أذنت " ، وزعم أن الواو مقحمة وهذا غلط ؛ لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع " حتى - إذا " كقوله تعالى : " حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها " [ الزمر : 71 ] ومع " لما " كقوله تعالى : " فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه " [ الصافات : 103 ] معناه " ناديناه " والواو لا تقحم مع غير هذين . وقيل : الجواب فاء مضمرة كأنه قال : " إذا السماء انشقت " فيا أيها الإنسان إنك كادح . وقيل : جوابها ما دل عليه " فملاقيه " أي إذا السماء انشقت لاقي الإنسان كدحه . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، أي " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " " إذا السماء انشقت " . قاله المبرد . وعنه أيضا : الجواب " فأما من أوتي كتابه بيمينه " وهو قول الكسائي ؛ أي إذا السماء انشقت فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا . قال أبو جعفر النحاس : وهذا أصح ما قيل فيه وأحسنه . قيل : هو بمعنى أذكر " إذا السماء انشقت " . وقيل : الجواب محذوف لعلم المخاطبين به ، أي إذا كانت هذه الأشياء علم المكذبون بالبعث ضلالتهم وخسرانهم . وقيل : تقدم منهم سؤال عن وقت القيامة ، فقيل لهم : إذا ظهرت أشراطها كانت القيامة ، فرأيتم عاقبة تكذيبكم بها . والقرآن كالآية الواحدة في دلالة البعض على البعض . وعن الحسن : إن قوله " إذا السماء انشقت " قسم . والجمهور على خلاف قول من أنه خبر وليس بقسم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ} (5)

ولما كان هذا ربما أوهم أنه بغير أمره سبحانه-{[72327]} وتعالى قال : { وأذنت لربها } أي فعلت ذلك بإذن{[72328]} الخالق لها-{[72329]} والمربي وتأثرت في ذلك عن تأثيره لا بنفسها ، وفعلت فيه كله فعل السميع المجيب { وحقت * } أي وكانت حقيقة بذلك كما أن كل مربوب كذلك وتكرير " إذا " للتنبيه على ما في كل من الجملتين من عظيم القدرة ، والجواب محذوف -{[72330]} لأنه في غاية الانكشاف بما دل عليه المقام مع ما تقدم من المطففين وما قبلها من السور وما يأتي في هذه السورة تقديره : ليحاسبن كل أحد على كدحه كله فليثوبنّ الكفار ما كانوا يفعلون وليجازين أهل الإسلام بما كانوا يعملون .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تقدم في الانفطار التعريف بالحفظة وإحصائهم على العباد في كتبهم ، وعاد الكلام إلى ذكر ما يكتب على البر والفاجر واستقرار ذلك في قوله تعالى :

{ إن كتاب الأبرار لفي عليّين }[ المطففين : 18 ] وقوله :

{ إن كتاب الفجار لفي سجين }[ المطففين : 7 ] أتبع ذلك بذكر التعريف بأخذ هذه الكتب في القيامة عند العرض ، وأن أخذها بالأيمان عنوان السعادة ، وأخذها وراء الظهر عنوان الشقاء إذ قد تقدم في السورتين قبل ذكر{[72331]} الكتب واستقرارها بحسب اختلاف مضمناتها فمنها {[72332]}ما هو{[72333]} في عليين ومنها {[72334]}ما هو{[72335]} في سجين إلى يوم العرض ، فيؤتى{[72336]} كل كتابه فآخذ{[72337]} بيمينه وهو عنوان سعادته ، وآخذ من-{[72338]} وراء ظهره وهو عنوان هلاكه ، فتحصّل{[72339]} الإخبار بهذه الكتب ابتداء واستقراراً وتفريقاً يوم العرض ، وافتتحت السورة بذكر انشقاق السماء ومد الأرض وإلقائها ما فيها وتخليها تعريفاً بهذا اليوم العظيم بما يتذكر به{[72340]} من سبقت سعادته والمناسبة بينة - انتهى .


[72327]:زيد من ظ و م.
[72328]:من ظ و م، وفي الأصل: فعل.
[72329]:زيد من ظ و م.
[72330]:زيد من ظ و م.
[72331]:من ظ و م، وفي الأصل: ذلك.
[72332]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72333]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72334]:سقط ما بين الرقمين من م.
[72335]:سقط ما بين الرقمين من م.
[72336]:من م، وفي الأصل و ظ: فيأتي.
[72337]:من م، وفي الأصل و ظ: فأخذه.
[72338]:زيد من ظ و م.
[72339]:من ظ و م، وفي الأصل: فتحصيل.
[72340]:من ظ و م، وفي الأصل: فيه.